رواية أوصيك بقلبي عشقا الحلقة الخامسة والثلاثون 35 بقلم مريم غريب
رواية أوصيك بقلبي عشقا الجزء الخامس والثلاثون 35 بقلم مريم غريب
رواية أوصيك بقلبي عشقا البارت الخامس والثلاثون 35 بقلم مريم غريب
رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم مريم غريب |
رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم مريم غريب
"ما أصابني ليس لأنّي لم أعد أحبك ؛ و لكنني أخشى أن افعل !"
_ سلاف
أبر بوعده لها، ما أن تعافت قليلًا بحيث أمكنها الوقوف على قدميها، استعادت قسمًا كبيرًا من عافيتها، فلم ينتظر زوجها و قام بالحجز بأول طائرة إلى وجهتهما، الوجهة التي لم تعرفها إلا عندما أعلن عنها من خلال المكبرات الصوتية بالمطار
صعدا على متن الطائرة المتوجهة إلى "جُزر المالديف" وجهة و حلم العشّاق، و قد تفاجأت لما علمت إلى أين يأخذها، لم تستطع إلا أن تتذكر و هي تخبره ذات مرة في ساعة صفوٍ بأمنيتها أن تزورها برفقته، و لكنه حينها مانع بشدة لشهرة ذلك المكان بالعري و الفسوق !
ما الذي غيّر رأيه الآن ؟
كيف تقبّل هكذا بسهولة !؟؟
رغم كل ما يحدث جلست "سلاف" طوال الرحلة صامتة، حتى وجبة الغداء أكلتها على مضضٍ لأن مدة السفر حتى الوصول طويلة، و بعد ثماني ساعات بدون محطة استراحة، هبطت الطائرة فوق الجزيرة المعبّدة بالمياه الفيروزية ؛ مطار "فيلانا" الدولي المحتشد بالسيّاح حتى في فصل الشتاء كما الحال الآن، فإن جُزر "المالديف" تشتهر باعتدال مناخها على مدار العام، و هي خيار العديد ممّن يحب التمتع بآشعة الشمس
تبيّنت "سلاف" منذ لحظة وصولهما بأن زوجها يسير ممسكًا بيدها و كأنها طفلته، في نفس الوقت يغض بصره قدر ما استطاع، حتى وصلا إلى زورقٍ مخصوص كان بانتظارهما، تحدّث "أدهم" مع قائده بالإنجليزية لدقيقةٍ مبقيًا زوجتته على مقربةٍ منه، فرغ معه ثم ساعدها على الصعود إلى الزورق، لحقت بهما أغراضهما، و انطلقا عبر المياه وصولًا إلى البر الآخر حيث أحد الشاليهات النائية المخصوصة، كان إختيار "أدهم" الأكثر أهمية في الرحلة كلها، ألا يعرّض زوجته للأعين المتلصصة بأيّ حالٍ ممن الأحوال، و قد حرص أيضًا ألا تقع عيناه على أيّ مظهر من المظاهر المحرّمة التي تغضب الله ...
-إيه رأيك في المكان يا حبيبتي ؟ .. قالها "أدهم" و هو يتبع زوجته إلى داخل الشاليه المفتوح من من كل الجهات
توغلت "سلاف" أكثر بالداخل متأملة المساحة الفسيحة، الإنارة الصفراء المشعّة بالسقف على إنحاءٍ متفرقة، أبرزت جمالية الديكور البسيط، الأثاث الخشبي العاري، و الأرض الرخامية البرّاقة، و الزينة المصنوعة كلها يدويًا، من حيث كانت واقفة كان بإمكانها رؤية غرفة النوم هناك في الواجهة، محجوبة خلف ستارٍ شفاف، و في المنتصف حجرة معيشة تليها مطبخٍ مكشوف، و قاعة الحمام في الطرف الآخر تصل إليها بدرجٍ عريض و ليس بطويل، لم يكن محجوبًا على الإطلاق، مِمّا حث بداخلها موجةٍ من الأدرينالين
استدارت نحوه أخيرًا و قد تخلّصت من النقاب، أخذت تعب الهواء إلى رئتيها المتعبتين
كان يبتسم إليها ببساطةٍ، بينما لا تزال تعبس في وجهه، نزع قبعة الرأس الصوفية التي أحاطت برأسه، ثم أخذ يقترب منها على مهلٍ مستطردًا و هو يخلل أصابعه عبر خصلاته الملساء :
-عجبك ؟ قوليلي لو ناقصك أي حاجة. كل حاجة ممكن نحتاجها موجودة هنا. و في عشا مخصوص في المطبخ ...
لا زالت لا ترد عليه، فتنهد بسهدٍ واضح، وقف أمامها لا يفصلهما سوى سنتيمترات قليلة، أمسك بيديها و اجتذب عينيها إلى عينيه متمتمًا بصوتٍ برزت به نبرة توسل :
-سلاف. أنا عملت كل ده عشانك. جبتك هنا عشان أخليكي مبسوطة.. ماتحسسنيش إني قليل الحيلة أوي كده !
مسّتها كلماته المستعطفة، لكن صور الأحداث الماضية لا تنفك تتراقص أمام عينيها الآن.. اساءته إليها، صفعته، و آخر شيء فقدان جنينها !!
كان هو المتسبب بذلك، لقد وعدها مسبقًا، عندما تزوجها بأنها لن تندم على إختياره، بأنه سيكون ملاذها الآمن و حاميًا لها، كيف إنقلب عليها بلحظةٍ !؟
لا تستطيع أن تغفر له الأيام و الليالي التي هجرها و هو يعلم بأنها تعاني، فيما مضى لم يكن يطيق أن يحزنها، مهما قالت و قامت باستفزازه، كان يعرف كيف يحتويها ...
-ردي عليا يا حبيبتي ! .. توسلها مرةً أخرى
لا يذكر بأنه أقل بنفسه في أيّ وقت أمامها مثل الآن، لكنه كان على استعدادٍ ليفعل أيّ شيء في سبيل استعادتها، كان يعرف بأن هذه الرحلة هي الفرصة الأخيرة لعلاقتهما، لا يمكن أن يخسرها، روحه متعلّقة بها، يعشقها و يخشى كثيرًا أن تكرهه.. أو لعلها كرهته بالفعل ...
أرعبته الفكرة و جعلته يستوضحها و الخوف بادٍ على ملامحه :
-مش قادر أصدق إنك سلاف إللي واقفة قصادي. و مش عايز أصدق إللي أنا حسّه. انتي.. انتي كرهتيني يا سلاف !؟؟
فتحت فاها لأول مرة منذ أقلعا من مطار "القاهرة،" و قالت و هي تمنع بصعوبةٍ لهجة الجزع من صوتها :
-أنا مش بكرهك يا أدهم. و لا عمري أعرف أكرهك. بس.. إللي عملته فيا مش قادرة أنساه. انت عيّشتني أيام صعبة. سبتني لوحدي. كنت عارف إللي بمر بيه و بردو فضلت تعاقبني، أنا مش ناسية إنك مديت إيدك عليا. مش ناسية قسوتك إللي أول مرة تكشف لي عنها.. انت خلّتني أحس لأول مرة من يوم ما حبيتك إني يتيمة و ماليش حد يا أدهم !
تغلغل بداخله شعور بسيط من الراحة، فقد أخبرته بأنها لا تكرهه، يعني إنها لا تزال تحبه، و لكن ما فعله بها يعطل مؤقتًا مشاعرها تجاهه، إذن فهو منذ الآن سيأخذ على عاتقه إعادة خلق هذه المشاعر، سوف يبذل جهده ...
-أنا عمري ما قصدت أجرحك أبدًا يا سلاف. و انتي عارفة. انتي إللي جرحتيني.. كنتي مستنية مني إيه لما ألاقيكي بتقوليلي طلقني و أتجوز. انتي جننتيني. أنا سيطرت على نفسي بصعوبة ساعتها. الصورة إللي رسمتيها في عقلي مش مقبولة أبدًا أبدًا !!!
نظرت له بشكٍ معقّبة :
-و لما قلت إنك هاتطلقني بجد !؟
-أنا أطلّقك !؟؟ .. علّق باستنكارٍ و هو يضغط على يديها بقبضتيه إلى حد الإيلام
لكنها تحمّلت و بقيت مصغية إليه و هو يقول و عنف مشاعره يكتسح نظراته :
-سلاف لو انتي تقدري تبعدي عني أنا مقدرش. طول ما فيا روح مستحيل أسيبك. انتي نسيتي و لا إيه ؟ انتي كنتي حلم بالنسبة لي. لازم أقولك تاني. إني كنت بنام و أقوم أدعي ربنا تكوني ليا. أو يشيلك من قلبي.. انتي الحاجة الوحيدة إللي فتنتني. الحاجة الوحيدة إللي وقفت عاجز قدامها. و ما صدقت تكوني ليا. و إنك كمان بقيتي أم ولادي.. بعد كل ده متخيّلة إني أطلّقك !؟؟؟
كانت تنظر إلى عينيه بالتناوب، عابسة، تائهة في تفاصيل ما يروي عليها من مشاعر، يذكرها بعهد الغرام بينهما، ذكريات ما قبل الزواج، كل شيء جميل مر بينهما في تلك الحقبة ...
-مش بسهولة ممكن أنسى يا أدهم ! .. تمتمت "سلاف" مصرّة على موقفها :
-انت كنت معودني على نمط معيّن في التعامل بينّا. و فجأة حسيت إنك غدرتني.. إديني وقتي لما أنسى إللي حصل ...
قطب بشدة محتجًا على ما تقوله، لكنه تصرّف بحكمةٍ و هو يقترب منها أكثر حد اللصوق و يقول :
-وقت إيه يا سلاف. مش مستاهلة يا حبيبتي. انتي بتحبيني و أنا روحي فيكي.. قوليلي أعمل إيه عشان أعوضك عن إللي حصل. انتي ماكنتيش عايزة تخلّفي تاني !
بمجرد أن ذكر خسارتها العظيمة مجددًا ذرفت عيناها الدموع و هي ترد عليه بقهرة :
-بس حصل. حصل و حملت.. إزاي مفكر إنها سهلة عليا. أخسر إبني أو بنتي !!
كانت تقمع إحساس الكرب الشديد بصعوبةٍ، بينما لم يتقبّل ما تريد أن تفرض عليه من قيود، إنه بالفعل يكاد يفقد عقله لطول البُعد عنها، لن يتحمل المزيد من الجفاء ...
-سلاف ! .. غمغم "أدهم" مغمضًا عينيه بشدة يُهدئ قدر ما استطاع من لوعة صبوته :
-أنا في العادي. مابستحملش تبعدي عني ليلة واحدة.. ف انتي بتطلبي مني إيه ؟ مش كفاية الفترة إللي فاتت دي كلها بعاد عن بعض. أرجوكي ماتعمليش كده !
فتح عينيه ثانيةً، ليراها و قد احتقن وجهها بحمرة الغضب و لا يدري لماذا أثارته في هذا الوضع، حتى هتفت من بين أسنانها و هي تحاول سحب يديها من قبضته :
-انت مش بتفكر غير في نفسك !!
ازدادت أنفاسه عنفًا و هو يقول بخشونةٍ :
-أنا مش بفكر فيكي. بعد كل إللي بعمله عشانك. عايزاني أعمل إيه تاني عشان أرضيكي !!؟؟
هزت رأسها بعيدًا عنه وجهه و صرخت بعصبية :
-اوعى يا أدهم. أنا غلطانة. ماكنش لازم أوافق أجي معاك هناك. إحنا لازم نرجع. مش هقدر أحقق توقعاتك دي. أنا مش حيطة أنا إنسانة و بحس.. ابعد عنـي !!!
اضطر لإفلاتها حين شعر بمقاومتها الركيكة تستنزفها مقارنة بقوته هو، وقف ينظر إليها و جسده ينتفض غضبًا و حاجة إليها، بينما شعرت بصدرها يضيق فجأة، فأخذت تحلّ أزرار عباءتها و تتحرر كليًا منها ملقية إيّاها أسفل قدميها
و لم تعمل مشاهدته لها الآن بهذا الشكل إلا على تعذيبه أكثر، في ثوبٍ خفيف أزرق يتماشى مع لون عينيها الفيروزيتين، ها هي المرأة التي يحب، زوجته، أجمل رزق سيق إليه، ترفض وصاله بشدة هذه المرة، لم يكن مجرد تمنّع كدأبها من قبل
إنها حقًا لا تريده !
راقبها و هي توليه ظهرها متجهة صوب النافذة التي أخذت عرض الجدار كله، أزاحت الستائر و وقفت مستندة إلى حافتها، تستنشق الهواء مرارًا و تكرارًا
شهيق.. زفير.. شهيق.. زفير ...
تسيل دموعها الآن و هي ترنو إلى ضوء القمر الشاحب بالسماء الصافية، كل شيء ساكن من حولها عدا أمواج البحر المتلاطمة على الشاطئ أمامها، و النسيم العليل الذي يصفع بشرتها بلطفٍ يُسكر
تطوّرت دموعها لبكاءٍ صامت و هي تلعن في نفسها، كل شيء رائع هنا، لماذا حدث كل هذا !؟
ابتداءً من حادثة أخته المخزية و حتى فقدانها لجنينها ...
إنها ليست بخير، لولا كل هذا ما كانت لتفوت على كليهما فرصة رائعة كهذه، كان حلمها أن تأتي إلى هنا معه، الآن هما معًا، الآن هما هنا، في الحلم، و لكنها أتعس من أن تسعد، أو تحاول حتى !!!
-سلاف !
ناداها من ورائها بصوتٍ خافت، لم يحاول لمسها، فتنهدت بحرارةٍ و رفعت يدها تكفكف دموعها، ثم إلتفتت نحوه ببطءٍ، فأخذ الهواء يبعثر خصيلات شعرها الطويلة حول وجهها و هي تواجهه بكآبةٍ لا تنقص من جاذبيتها شيء ...
كان يقف على بُعد خطوتين منها، و رأته يزيح معطفه الرياضي عن كتفيه ليسقط فوق الأرض منضمًا إلى عباءتها، رفعت عينيها لتحدق بوجهه الآن، و لكن صدمها ما رأت، بل هالها و هزّها في الصميم
إنها دموع !
دموعه هو في عينيه.. دموع مختلفة عن تلك التي ذرفها يوم وفاة جدتهما... و يوم فقدان جنينهما.. إنها دموع.. اليأس !!!
إتسعت عيناها و تدلّى فكّها و هي تعلّق عينيها بعينيه، تقف بلا حراكٍ و قد صارأمامها من جديد، ظلّت ساكنة بينما يرفع كفّه و يحيط بجانب وجهها، تلك العبسة الواهنة فوق جبينه البهيّ، مع إلتماع بؤبؤيه العسليان، كلها في كفّة، و صوته الذي خرج كسيرًا أجشًا في كفّة أخرى :
-أعرفي كويس انتي بتدوسي على إيه.. فكري شوية لقدام... أنا بحبك.. مش عايز أخسرك ...
ليزيد من صدمتها و هو يركع الآن على ركبتيه أمامها، مطأطأ الرأس، ممسكًا بيديها، رفعهما لفمه يقبلهما، ثم رفع رأسه ببطءٍ، و احتاج كل ما لديه من إرادة حتى يقول بصوتٍ غليظ هزّته العاطفة :
-ارحمي عزيز قومٍ ذل !
كان هذا كل ما تحتاجه لتفيق من غيّها حقًا ...
لم تتحمل رؤيته هكذا، أزاحت كآبتها و كل كبريائها و غرورها جانبًا، و جثت على ركبتيها أمامه لاهثة، اجتذبته من ياقتي قميصه و دنت من فمه المرتعش تقبله بقوة، بنفس اليأس و الحاجة، راح يبادلها إيّاها على الفور، كل شيء تبدد من حولهما، لم يعد سوى حبهما الذي جارت عليه الخطوب و أخطاء الآخرين
دفعته "سلاف" بكتفيه للخلف حتى وقع جالسًا، فأدت حركتها لإنفصال شفاههما عن بعضها، و كأنها تنزع اللحم عن العظم، بان الخوف في عينيه من أن تعود لرفضها من جديد، ليس الآن، و قد ظن بأنه أخيرًا إستعادها !
بددت "سلاف" كل مخاوفه في اللحظة التالية و هي تزحف إلى حجره، تلف ذراعيها حول عنقه و تدفن وجهها في رقبته، تضمه إليها بشدة بينما تشعر بعاطفته اللذيذة تحرقها، تشتاق إليه ربما أكثر من شوقه هو إليها ...
-بحبك.. انتي أهم و أغلى الناس في حياتي.. بحبك !
ظل يدغدغ أذنها بهمسات العشق هذه و هو يمسكها بذراعيه باحكامٍ، يحتضنها بقوة و كأنه يخشى أن تطير من بين يديه،لا يتوقف عن تقبيل شعرها و كتفها العاري و أي مكانٍ فيها يمكنه الوصول إليه، ما أجبرها على تقويس رقبتها للخلف لتنظر في عينيه مرةً أخرى
إنهما الآن أكثر لمعانًا، اختفت الدموع، فقط الحب و اللهفة ...
-أنا بحبك أكتر ! .. همست له و هي تحدق في شفتيه و تلمس لحيته الكثيفة بأناملها الرقيقة
بالكاد تنفس "أدهم" و هو يفعل المثل و يحدق بشفتيها المثاليتان، و اشتاق مجددًا إلى فمها، ليغوص أسرع هذه المرة في المزيد، و هو يلتهمها بقبلاتٍ حارة، لتبيت "سلاف" هذه الليلة و تعلم إنه انتهى
الخلاف انتهى، و لم يعد هناك أيّ مجال للخصومة بينهما، و ايضًا.. كانت تعلم شيئًا آخر
لقد تركت جميع الاحتيطات جانبًا هذه المرة، و قد قررت بملء إرادتها، سوف تنجب طفلًا آخر من حبيبها، من زوجها، سوف تعود إلى الوطن معه محققة هذه الغاية بالفعل !
_ سلاف
أبر بوعده لها، ما أن تعافت قليلًا بحيث أمكنها الوقوف على قدميها، استعادت قسمًا كبيرًا من عافيتها، فلم ينتظر زوجها و قام بالحجز بأول طائرة إلى وجهتهما، الوجهة التي لم تعرفها إلا عندما أعلن عنها من خلال المكبرات الصوتية بالمطار
صعدا على متن الطائرة المتوجهة إلى "جُزر المالديف" وجهة و حلم العشّاق، و قد تفاجأت لما علمت إلى أين يأخذها، لم تستطع إلا أن تتذكر و هي تخبره ذات مرة في ساعة صفوٍ بأمنيتها أن تزورها برفقته، و لكنه حينها مانع بشدة لشهرة ذلك المكان بالعري و الفسوق !
ما الذي غيّر رأيه الآن ؟
كيف تقبّل هكذا بسهولة !؟؟
رغم كل ما يحدث جلست "سلاف" طوال الرحلة صامتة، حتى وجبة الغداء أكلتها على مضضٍ لأن مدة السفر حتى الوصول طويلة، و بعد ثماني ساعات بدون محطة استراحة، هبطت الطائرة فوق الجزيرة المعبّدة بالمياه الفيروزية ؛ مطار "فيلانا" الدولي المحتشد بالسيّاح حتى في فصل الشتاء كما الحال الآن، فإن جُزر "المالديف" تشتهر باعتدال مناخها على مدار العام، و هي خيار العديد ممّن يحب التمتع بآشعة الشمس
تبيّنت "سلاف" منذ لحظة وصولهما بأن زوجها يسير ممسكًا بيدها و كأنها طفلته، في نفس الوقت يغض بصره قدر ما استطاع، حتى وصلا إلى زورقٍ مخصوص كان بانتظارهما، تحدّث "أدهم" مع قائده بالإنجليزية لدقيقةٍ مبقيًا زوجتته على مقربةٍ منه، فرغ معه ثم ساعدها على الصعود إلى الزورق، لحقت بهما أغراضهما، و انطلقا عبر المياه وصولًا إلى البر الآخر حيث أحد الشاليهات النائية المخصوصة، كان إختيار "أدهم" الأكثر أهمية في الرحلة كلها، ألا يعرّض زوجته للأعين المتلصصة بأيّ حالٍ ممن الأحوال، و قد حرص أيضًا ألا تقع عيناه على أيّ مظهر من المظاهر المحرّمة التي تغضب الله ...
-إيه رأيك في المكان يا حبيبتي ؟ .. قالها "أدهم" و هو يتبع زوجته إلى داخل الشاليه المفتوح من من كل الجهات
توغلت "سلاف" أكثر بالداخل متأملة المساحة الفسيحة، الإنارة الصفراء المشعّة بالسقف على إنحاءٍ متفرقة، أبرزت جمالية الديكور البسيط، الأثاث الخشبي العاري، و الأرض الرخامية البرّاقة، و الزينة المصنوعة كلها يدويًا، من حيث كانت واقفة كان بإمكانها رؤية غرفة النوم هناك في الواجهة، محجوبة خلف ستارٍ شفاف، و في المنتصف حجرة معيشة تليها مطبخٍ مكشوف، و قاعة الحمام في الطرف الآخر تصل إليها بدرجٍ عريض و ليس بطويل، لم يكن محجوبًا على الإطلاق، مِمّا حث بداخلها موجةٍ من الأدرينالين
استدارت نحوه أخيرًا و قد تخلّصت من النقاب، أخذت تعب الهواء إلى رئتيها المتعبتين
كان يبتسم إليها ببساطةٍ، بينما لا تزال تعبس في وجهه، نزع قبعة الرأس الصوفية التي أحاطت برأسه، ثم أخذ يقترب منها على مهلٍ مستطردًا و هو يخلل أصابعه عبر خصلاته الملساء :
-عجبك ؟ قوليلي لو ناقصك أي حاجة. كل حاجة ممكن نحتاجها موجودة هنا. و في عشا مخصوص في المطبخ ...
لا زالت لا ترد عليه، فتنهد بسهدٍ واضح، وقف أمامها لا يفصلهما سوى سنتيمترات قليلة، أمسك بيديها و اجتذب عينيها إلى عينيه متمتمًا بصوتٍ برزت به نبرة توسل :
-سلاف. أنا عملت كل ده عشانك. جبتك هنا عشان أخليكي مبسوطة.. ماتحسسنيش إني قليل الحيلة أوي كده !
مسّتها كلماته المستعطفة، لكن صور الأحداث الماضية لا تنفك تتراقص أمام عينيها الآن.. اساءته إليها، صفعته، و آخر شيء فقدان جنينها !!
كان هو المتسبب بذلك، لقد وعدها مسبقًا، عندما تزوجها بأنها لن تندم على إختياره، بأنه سيكون ملاذها الآمن و حاميًا لها، كيف إنقلب عليها بلحظةٍ !؟
لا تستطيع أن تغفر له الأيام و الليالي التي هجرها و هو يعلم بأنها تعاني، فيما مضى لم يكن يطيق أن يحزنها، مهما قالت و قامت باستفزازه، كان يعرف كيف يحتويها ...
-ردي عليا يا حبيبتي ! .. توسلها مرةً أخرى
لا يذكر بأنه أقل بنفسه في أيّ وقت أمامها مثل الآن، لكنه كان على استعدادٍ ليفعل أيّ شيء في سبيل استعادتها، كان يعرف بأن هذه الرحلة هي الفرصة الأخيرة لعلاقتهما، لا يمكن أن يخسرها، روحه متعلّقة بها، يعشقها و يخشى كثيرًا أن تكرهه.. أو لعلها كرهته بالفعل ...
أرعبته الفكرة و جعلته يستوضحها و الخوف بادٍ على ملامحه :
-مش قادر أصدق إنك سلاف إللي واقفة قصادي. و مش عايز أصدق إللي أنا حسّه. انتي.. انتي كرهتيني يا سلاف !؟؟
فتحت فاها لأول مرة منذ أقلعا من مطار "القاهرة،" و قالت و هي تمنع بصعوبةٍ لهجة الجزع من صوتها :
-أنا مش بكرهك يا أدهم. و لا عمري أعرف أكرهك. بس.. إللي عملته فيا مش قادرة أنساه. انت عيّشتني أيام صعبة. سبتني لوحدي. كنت عارف إللي بمر بيه و بردو فضلت تعاقبني، أنا مش ناسية إنك مديت إيدك عليا. مش ناسية قسوتك إللي أول مرة تكشف لي عنها.. انت خلّتني أحس لأول مرة من يوم ما حبيتك إني يتيمة و ماليش حد يا أدهم !
تغلغل بداخله شعور بسيط من الراحة، فقد أخبرته بأنها لا تكرهه، يعني إنها لا تزال تحبه، و لكن ما فعله بها يعطل مؤقتًا مشاعرها تجاهه، إذن فهو منذ الآن سيأخذ على عاتقه إعادة خلق هذه المشاعر، سوف يبذل جهده ...
-أنا عمري ما قصدت أجرحك أبدًا يا سلاف. و انتي عارفة. انتي إللي جرحتيني.. كنتي مستنية مني إيه لما ألاقيكي بتقوليلي طلقني و أتجوز. انتي جننتيني. أنا سيطرت على نفسي بصعوبة ساعتها. الصورة إللي رسمتيها في عقلي مش مقبولة أبدًا أبدًا !!!
نظرت له بشكٍ معقّبة :
-و لما قلت إنك هاتطلقني بجد !؟
-أنا أطلّقك !؟؟ .. علّق باستنكارٍ و هو يضغط على يديها بقبضتيه إلى حد الإيلام
لكنها تحمّلت و بقيت مصغية إليه و هو يقول و عنف مشاعره يكتسح نظراته :
-سلاف لو انتي تقدري تبعدي عني أنا مقدرش. طول ما فيا روح مستحيل أسيبك. انتي نسيتي و لا إيه ؟ انتي كنتي حلم بالنسبة لي. لازم أقولك تاني. إني كنت بنام و أقوم أدعي ربنا تكوني ليا. أو يشيلك من قلبي.. انتي الحاجة الوحيدة إللي فتنتني. الحاجة الوحيدة إللي وقفت عاجز قدامها. و ما صدقت تكوني ليا. و إنك كمان بقيتي أم ولادي.. بعد كل ده متخيّلة إني أطلّقك !؟؟؟
كانت تنظر إلى عينيه بالتناوب، عابسة، تائهة في تفاصيل ما يروي عليها من مشاعر، يذكرها بعهد الغرام بينهما، ذكريات ما قبل الزواج، كل شيء جميل مر بينهما في تلك الحقبة ...
-مش بسهولة ممكن أنسى يا أدهم ! .. تمتمت "سلاف" مصرّة على موقفها :
-انت كنت معودني على نمط معيّن في التعامل بينّا. و فجأة حسيت إنك غدرتني.. إديني وقتي لما أنسى إللي حصل ...
قطب بشدة محتجًا على ما تقوله، لكنه تصرّف بحكمةٍ و هو يقترب منها أكثر حد اللصوق و يقول :
-وقت إيه يا سلاف. مش مستاهلة يا حبيبتي. انتي بتحبيني و أنا روحي فيكي.. قوليلي أعمل إيه عشان أعوضك عن إللي حصل. انتي ماكنتيش عايزة تخلّفي تاني !
بمجرد أن ذكر خسارتها العظيمة مجددًا ذرفت عيناها الدموع و هي ترد عليه بقهرة :
-بس حصل. حصل و حملت.. إزاي مفكر إنها سهلة عليا. أخسر إبني أو بنتي !!
كانت تقمع إحساس الكرب الشديد بصعوبةٍ، بينما لم يتقبّل ما تريد أن تفرض عليه من قيود، إنه بالفعل يكاد يفقد عقله لطول البُعد عنها، لن يتحمل المزيد من الجفاء ...
-سلاف ! .. غمغم "أدهم" مغمضًا عينيه بشدة يُهدئ قدر ما استطاع من لوعة صبوته :
-أنا في العادي. مابستحملش تبعدي عني ليلة واحدة.. ف انتي بتطلبي مني إيه ؟ مش كفاية الفترة إللي فاتت دي كلها بعاد عن بعض. أرجوكي ماتعمليش كده !
فتح عينيه ثانيةً، ليراها و قد احتقن وجهها بحمرة الغضب و لا يدري لماذا أثارته في هذا الوضع، حتى هتفت من بين أسنانها و هي تحاول سحب يديها من قبضته :
-انت مش بتفكر غير في نفسك !!
ازدادت أنفاسه عنفًا و هو يقول بخشونةٍ :
-أنا مش بفكر فيكي. بعد كل إللي بعمله عشانك. عايزاني أعمل إيه تاني عشان أرضيكي !!؟؟
هزت رأسها بعيدًا عنه وجهه و صرخت بعصبية :
-اوعى يا أدهم. أنا غلطانة. ماكنش لازم أوافق أجي معاك هناك. إحنا لازم نرجع. مش هقدر أحقق توقعاتك دي. أنا مش حيطة أنا إنسانة و بحس.. ابعد عنـي !!!
اضطر لإفلاتها حين شعر بمقاومتها الركيكة تستنزفها مقارنة بقوته هو، وقف ينظر إليها و جسده ينتفض غضبًا و حاجة إليها، بينما شعرت بصدرها يضيق فجأة، فأخذت تحلّ أزرار عباءتها و تتحرر كليًا منها ملقية إيّاها أسفل قدميها
و لم تعمل مشاهدته لها الآن بهذا الشكل إلا على تعذيبه أكثر، في ثوبٍ خفيف أزرق يتماشى مع لون عينيها الفيروزيتين، ها هي المرأة التي يحب، زوجته، أجمل رزق سيق إليه، ترفض وصاله بشدة هذه المرة، لم يكن مجرد تمنّع كدأبها من قبل
إنها حقًا لا تريده !
راقبها و هي توليه ظهرها متجهة صوب النافذة التي أخذت عرض الجدار كله، أزاحت الستائر و وقفت مستندة إلى حافتها، تستنشق الهواء مرارًا و تكرارًا
شهيق.. زفير.. شهيق.. زفير ...
تسيل دموعها الآن و هي ترنو إلى ضوء القمر الشاحب بالسماء الصافية، كل شيء ساكن من حولها عدا أمواج البحر المتلاطمة على الشاطئ أمامها، و النسيم العليل الذي يصفع بشرتها بلطفٍ يُسكر
تطوّرت دموعها لبكاءٍ صامت و هي تلعن في نفسها، كل شيء رائع هنا، لماذا حدث كل هذا !؟
ابتداءً من حادثة أخته المخزية و حتى فقدانها لجنينها ...
إنها ليست بخير، لولا كل هذا ما كانت لتفوت على كليهما فرصة رائعة كهذه، كان حلمها أن تأتي إلى هنا معه، الآن هما معًا، الآن هما هنا، في الحلم، و لكنها أتعس من أن تسعد، أو تحاول حتى !!!
-سلاف !
ناداها من ورائها بصوتٍ خافت، لم يحاول لمسها، فتنهدت بحرارةٍ و رفعت يدها تكفكف دموعها، ثم إلتفتت نحوه ببطءٍ، فأخذ الهواء يبعثر خصيلات شعرها الطويلة حول وجهها و هي تواجهه بكآبةٍ لا تنقص من جاذبيتها شيء ...
كان يقف على بُعد خطوتين منها، و رأته يزيح معطفه الرياضي عن كتفيه ليسقط فوق الأرض منضمًا إلى عباءتها، رفعت عينيها لتحدق بوجهه الآن، و لكن صدمها ما رأت، بل هالها و هزّها في الصميم
إنها دموع !
دموعه هو في عينيه.. دموع مختلفة عن تلك التي ذرفها يوم وفاة جدتهما... و يوم فقدان جنينهما.. إنها دموع.. اليأس !!!
إتسعت عيناها و تدلّى فكّها و هي تعلّق عينيها بعينيه، تقف بلا حراكٍ و قد صارأمامها من جديد، ظلّت ساكنة بينما يرفع كفّه و يحيط بجانب وجهها، تلك العبسة الواهنة فوق جبينه البهيّ، مع إلتماع بؤبؤيه العسليان، كلها في كفّة، و صوته الذي خرج كسيرًا أجشًا في كفّة أخرى :
-أعرفي كويس انتي بتدوسي على إيه.. فكري شوية لقدام... أنا بحبك.. مش عايز أخسرك ...
ليزيد من صدمتها و هو يركع الآن على ركبتيه أمامها، مطأطأ الرأس، ممسكًا بيديها، رفعهما لفمه يقبلهما، ثم رفع رأسه ببطءٍ، و احتاج كل ما لديه من إرادة حتى يقول بصوتٍ غليظ هزّته العاطفة :
-ارحمي عزيز قومٍ ذل !
كان هذا كل ما تحتاجه لتفيق من غيّها حقًا ...
لم تتحمل رؤيته هكذا، أزاحت كآبتها و كل كبريائها و غرورها جانبًا، و جثت على ركبتيها أمامه لاهثة، اجتذبته من ياقتي قميصه و دنت من فمه المرتعش تقبله بقوة، بنفس اليأس و الحاجة، راح يبادلها إيّاها على الفور، كل شيء تبدد من حولهما، لم يعد سوى حبهما الذي جارت عليه الخطوب و أخطاء الآخرين
دفعته "سلاف" بكتفيه للخلف حتى وقع جالسًا، فأدت حركتها لإنفصال شفاههما عن بعضها، و كأنها تنزع اللحم عن العظم، بان الخوف في عينيه من أن تعود لرفضها من جديد، ليس الآن، و قد ظن بأنه أخيرًا إستعادها !
بددت "سلاف" كل مخاوفه في اللحظة التالية و هي تزحف إلى حجره، تلف ذراعيها حول عنقه و تدفن وجهها في رقبته، تضمه إليها بشدة بينما تشعر بعاطفته اللذيذة تحرقها، تشتاق إليه ربما أكثر من شوقه هو إليها ...
-بحبك.. انتي أهم و أغلى الناس في حياتي.. بحبك !
ظل يدغدغ أذنها بهمسات العشق هذه و هو يمسكها بذراعيه باحكامٍ، يحتضنها بقوة و كأنه يخشى أن تطير من بين يديه،لا يتوقف عن تقبيل شعرها و كتفها العاري و أي مكانٍ فيها يمكنه الوصول إليه، ما أجبرها على تقويس رقبتها للخلف لتنظر في عينيه مرةً أخرى
إنهما الآن أكثر لمعانًا، اختفت الدموع، فقط الحب و اللهفة ...
-أنا بحبك أكتر ! .. همست له و هي تحدق في شفتيه و تلمس لحيته الكثيفة بأناملها الرقيقة
بالكاد تنفس "أدهم" و هو يفعل المثل و يحدق بشفتيها المثاليتان، و اشتاق مجددًا إلى فمها، ليغوص أسرع هذه المرة في المزيد، و هو يلتهمها بقبلاتٍ حارة، لتبيت "سلاف" هذه الليلة و تعلم إنه انتهى
الخلاف انتهى، و لم يعد هناك أيّ مجال للخصومة بينهما، و ايضًا.. كانت تعلم شيئًا آخر
لقد تركت جميع الاحتيطات جانبًا هذه المرة، و قد قررت بملء إرادتها، سوف تنجب طفلًا آخر من حبيبها، من زوجها، سوف تعود إلى الوطن معه محققة هذه الغاية بالفعل !
يتبع...
لقراءة الفصل السادس والثلاثون اضغط على : ( رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل السادس والثلاثون )
لقراءة باقي الفصول اضغط على : ( رواية أوصيك بقلبي عشقا )