رواية مملكة سفير الحلقة الرابعة عشر 14 بقلم رحمة نبيل
رواية مملكة سفير الجزء الرابع عشر 14 بقلم رحمة نبيل
رواية مملكة سفير البارت الرابع عشر 14 بقلم رحمة نبيل
رواية مملكة سفير الفصل الرابع عشر 14 بقلم رحمة نبيل |
رواية مملكة سفير الفصل الرابع عشر 14 بقلم رحمة نبيل
__________________
ارتفع صوت المآذن في البلاد وتحركَ كلٌ صوب اقرب مسجدٍ له، تدافع الجميع رغبة في الاحتماء من مصائب الحياة ببيت الله، وكأنهم ينتظرون نداء الصلاة كي يفرغوا همومهم، منهم من فقد عزيزٍ ومنهم من على وشك فقدانه بسبب الظروف التي تتعرض لها البلاد في الآونة الأخيرة بعد نكبتهم الكبرى .
استند شيخ عجوز على يد حفيده الشاب وهو يسير به صوب المسجد وقد كانت نبرة الشاب يائسة متوجعة :
" وماذا بعد يا جدي، هل سنعيش المتبقي من عمرنا في هذا الخراب ؟؟ إن لم نمت مما يفعلونه بنا، متنا جوعًا، ما عاد الطعام يكفينا وما بقى لنا من مغيث "
ربت الشيخ على يده بحنان رغم عيونه الملتمعة بالدموع :
" لنا الله يا عزيزي، لنا الله، هو نعم الوكيل "
تمتم الشاب بصوت خافت بـ " ونعم بالله "
وصل الاثنان صوب المسجد ودخلوا لهم، والعديد من الرجال يهرعون لللحاق بالصلاة، اطفال يركضون في المسجد خلف ذويهم، والجميع يلتجأ ببيت الله .
لكن حتى هذا كان في نظرهم كثيرًا عليهم، حتى لحظات الطمأنينة المؤقتة تلك كانت كثيرة عليهم.
فمع ارتفاع صوت الإمام بالله أكبر، تبعته اصوات صرخات تردد " اشهد أن لا إله إلا الله "، تناثرت الجثث وتعالت الصرخات وتوحدت الألسنة بذكر الله والنيران أمسكت في أجساد من نجوا من الانفجار .
الأمر تم بسرعة أكبر من استيعاب أحد من الموجودين .
ركض الشيخ بين أجساد المصلين الذين سلموا أرواحهم لربهم وهو يصرخ باسم حفيده، يبكي بضعف وجسده يرتجف من هول الصدمة يشعر أنه على وشك السقوط رغم اعتماده على عكازه، لكن أي عكاز يسند جسده الضعيف بعدما فقد سنده وعكازه في الحياة :
" معتصم، أين أنت يا بني، معتصم يا ولدي "
لكن لم يصل له رد من معتصم، كل ما سمعه هو صوت بكاء الصغار الذين كان من حسن حظهم أنهم يصلون في مؤخرة المسجد خلف الكبار ليتحرك لهم الشيخ متكئًا على عكازه يدفعهم للخارج بسرعة وخوف :
" للخارج يا صغار، اخرجوا بسرعة، هيا للخارج "
لكن من بين هؤلاء الصغار، كان هناك صغير شخصت أبصاره بشكل مخيف وهو يأبى التحرك يرى أمام عيونه جسد والده متناثر الأشلاء في أحد أركان المسجد، لكن الشيخ لم يدعه يجبره على الخروج وهو يصرخ به :
" هيا يا بني أخرج من هنا قبل أن تطالك النيران "
وصوته خرج مغيبًا وكأنه لم يعي بعد أن والده قد سلم روحه لبارئه منذ ثواني :
" لكن ابي ..."
" عند الله يا صغيري والدك قد رحمه الله من هذا كله واختاره شهيدًا، هيا للخارج "
وبالفعل ساعده بعض الرجال في إخراج الصغار والجرحى وقد تحولت المنطقة لخرابة بعدما ألقى بعض المنبوذين قنابل عدة على أماكن عشوائية، قنابل صُنعت لقتل أعداء الله...
لكن لسوء الحظ سقطت في يد أعداء الله، لتكون جحيمًا عليهم جميعًا .
كان جميع سكان المدينة يرمقون بقايا المسجد المتهدم واعينهم تحكي اهوالًا، بعدما كانت المملكة آمنة مطمئنة أضحت بين ليلة وضحاها على شفا جرفٍ من الانهيار .
سمع الشيخ صوت امرأة تركض صوبهم وهي تصرخ بجنون وصوت خلع القلوب من الأفئدة:
" ابنائي، صغاري جميعهم، جميعهم ذهبوا للصلاة "
امسكتها إحدى النساء تجذبها بعيدًا وقد اجتمع الجميع حولها لمواساتها، وكلٌ له مصابه، لم ينجو قلبٌ مما حدث في المسجد والمنطقة، نفذ بافل تهديده وجعل في كل منزل شهيد وفي كل قلب جرحٌ....
كان الصغار الذين أخرجهم الشيخ يراقبون ما يحدث من بعيد وعيونهم تحكي الكثير، رأوا من المصير ما لا يستوعب عقلهم الصغير في هذا الوقت، نضجوا قبل آوانهم، اصوات الصرخات والتكبير حولهم تسببت في انتفاضة أجسادهم .
اقترب أحد الرجال من الشيخ والذي كان بمثابة كبير للمنطقة :
" ما العمل الآن يا عم، ماذا سنفعل لهم ؟؟ "
طالت نظرات الشيخ للمسجد وهو يرى البعض ينادي قريبه، والبعض يبكي على اطلاله، والبعض الآخر يجلس جانبًا يضع رأسه بين يديه مقهورًا .
" هم لا خوف عليهم يا بني، الخوف ليس على الموتى الآن وقد ارتقوا جوار ربهم شهداء "
نظر حوله للجميع يتحدث بصوت مثقل ونبرة بكاء :
" الخوف كل الخوف على من نجى وكُتب له العيش أيام إضافية في هذه الحياة "
صمت ثم نظر حوله يحاول التفكير في شيء ما والتعب بلغ منه مبلغه :
" اليوم سأتحرك مع بعض الرجال صوب سفيد، سأتحدث للملك إيفان وليقدم الله الخير "
ختم حديثه يتحرك محني الظهر صوب الأنقاض يبحث عنه بعيونه يكاد يسقط ارضًا، وقد سلبوا منه عكازه الوحيد، حفيده العزيز وآخر من تبقى له في هذه الحياة يستند عليه، سقطت دموعه وهو يفكر أن الكفن الذي اشتراه لنفسه، هو ما سيضع به حفيده.
كان يخطط لأن ينثر هو الرمال على جسده، لتنقلب الأقدار ويكون هو من يفعل ذلك، فقط في حالة إن وجد أشلاء حفيده .
تمتم بصوت موجوع من بين دموعه :
" لله الامر من قبل ومن بعد، الله خير حافظ، الله خير حافظ "
________________________
تمسك كتابًا احضرته بصعوبة من المكتبة _بعدما طردها العريف _ وذلك بمساعدة من مرجان الذي تقبل بصدر رحب أن يتلقى التقريع ويخاطر باقتحام كهف العريف وإحضار كتاب بالعربية يتحدث عن حياة الاميرات .
وها هي الآن تحاول دراسة كافة تصرفات الملكة في هذا المكان .
" لبقة... هادئة ...عاقلة ...حكيمة ...رقيقة..راقية "
كلها صفات تتوفر وبكثرة في تبارك التي نفخت باستهزاء وكأن كل ذلك أمر سهل لها، قلبت الصفحات وهي تضع طرف اصبعها على لسانها كي تسطيع ذلك في حركة قد تؤدي لانتحار العريف إن رآها .
" كل ده أمره سهل، ايه تاني ؟! "
أخذت عيونها تمر على الاحرف عاقدة العزم على أن تندمج في تلك الحياة البائسة التي أُلقيت هي بها، فإن لم تستطع العودة فلتحيا كما قُدر لها .
" على الأمير أن ترفع أطراف فستانها بكل لباقة وتنحني نصف انحناءة حين تقابل الملك أو أي شخص كنوع من أنواع الرقي، كما عليها التحدث بصوت لطيف ورقيق وأن تسبل اهدابها بلطف ولا تكيل النظر في أعين محدثيها، فهذه تعتبر وقاحة"
التوى ثغر تبارك بحنق من كل تلك الكلمات :
" اتسهوك يعني ولا ايه ؟؟ على العموم المصريات ملكات بالفطرة، مش محتاجين كتب عشان تعلمنا الامور دي "
ولأجل تلك الكلمات ألقت تبارك الكتاب على الفراش تتحرك لتبديل ثيابها ومغادرة المكان بعدما أتقنت دورها مملكة في عشر دقائق .
ارتدت فستان ذو طبقات عديدة خانقة طويل تحدق لنفسها في المرآة وهي تتحدث بصوت منخفض :
" الفستان ده عايز يروح لخياطة شاطرة تاخده تلات أو أربع قراريط من تحت "
انتهت من حديثها تعدل من وضعية الحجاب تخفي أسفله خصلاتها المزعجة التي يبدو أنها تعترض على حياة الملوك وتستنكر الزيوت الغالية التي أضحت تغتسل بها .
ابتسمت لهيئتها في المرآة وقد كان فستانها من لون السماء بورود بيضاء منتشرة في أماكن عشوائية وحجاب من اللون ذاته، أعطت تبارك نفسها تقييم عشرة من عشرة على إطلالتها، ثم تحركت لموعد الملك الذي ابلغها به أحد الحراس .
خرجت من الجناح تمسك أطراف الفستان وقد بدأت رحلة المتاهة كالعادة، تسير وهي تنظر في الأرض تتحدث مع نفسها حتى استوقفت إحدى العاملات تقول :
" بقولك الله يكرمك اروح قاعة العرش منين ؟!"
توقفت الفتاة ترمق تبارك من خلف غطاء وجهها بنظرات لم ترها تبارك، وتبارك فقط تنتظر ردها حتى انتفضت فجأة تستوعب أنها للتو تحدثت معها بعشوائية وبالعامية :
" اممم اقصد كيف أصل لقاعة العرش رجاءً "
ابتسمت الفتاة بهدوء واحترام، ثم أخبرتها بالمكان مشيرة صوبه، لتشكرها تبارك وتتحرك وهي تحمل طرف الفستان على ذراعها بشكل مضحك حتى وصلت أخيرًا لقاعة العرش لتترك طرف الفستان وتعتدل في وقفتها .
تحركت داخل البلاط الملكي تبصر اعتلاء الملك لعرشه معه سالار وبعض الجنود يتحدثون بجدية كبيرة وكأن هناك حرب وشيكة .
شعرت أنها مجددًا جاءت في وقت غير ملائم، رغم أن الملك هو من ارسل لها، لكن نظرات سالار لها تخبرها أنها فعلت شيئًا خاطئًا، وهي حتى لم تفتح فمها بكلمة، أيعقل أنها تنفست كفتاة عادية وليست كملكة ؟؟
وضعت تبارك يدها أمام فمها وأخذت تحاول معرفة كيف تتنفس، ثم نظرت له بعيونها وكأنها تخبره بريبة ماذا فعلت أنا ؟!
قبل أن تنتفض على صوت إيفان يقول ببسمة :
" مرحبًا مولاتي "
رفعت عيونها له تبتسم بسمة صغيرة متوترة لا تدري ما التالي، هل تفعل كما تفعل اميرات " ديزني " في العادة ؟؟ مهلًا هل هي الآن تتعلم التصرفات الملكية من افلام الكرتون ؟!
ابتسم إيفان يرى ملامح الحيرة تعلو وجهها ليقول بهدوء يرفع عنها أي حرج أو توتر :
" تقدمي جلالتك "
نظرت تبارك للجميع قبل أن تتثبت عيونها على سالار الذي كان يركز في بعض الأوراق أمامه، لتحمد الله أنه لا ينظر إليها فهي لا ينقصها توتر كي يفعل هو بنظراته .
ابتلعت ريقها تتحرك بحرية كبيرة ومشية عادية، لكنها بالطبع كانت ابعد ما يكون عن سير الملكات، تتحرك بقوة وسرعة أدت لتحرك فستانها الواسع والطويل في أنحاء القاعة بشكل عشوائي .
وحين وصلت للعرش الخاص بإيفان وقبل أن تجلس تذكرت تعليمات الكتاب بخصوص رفع أطراف الفستان بلطف، ثم انحناءة بسيطة وبعدها كلمات خافتة وتسبيل اهداب، تعليمات ذكرت بها تبارك نفسها .
وهي تتمسك باطراف فستانها الواسع ترفعه بقوة مبالغ بها، إذ اصطدمت أطرافه بالاوراق التي يحملها سالار لتصيب عيونه بقوة سالبة من فمه تأوهًا مصدومًا أكثر منه متوجعًا .
رفع عيونه بصدمة صوب تبارك التي لم تنتبه لما فعلت منذ ثواني والتي انحنت كما يقول الكتاب، ثم نظرت ارضًا بهدوء تقول بصوت خافت :
" اشكرك مولاي "
تشنج وجه سالار وهو يضع يده على عينه اليمنى التي كادت تذهب ضحية الملكة منذ ثواني، يميل برأسه ينظر لها بعدم فهم، بينما إيفان لم يستوعب ما حدث، نظر بريبة صوب سالار ليراه متشنجًا بشكل جعله ينفجر ضحكًا على ملامحه لا على أفعال تبارك التي لم تخطأ في الحقيقة بل حظها هو من أخطأ.
استقامت تبارك بتعجب تتساءل عن سبب ضحكات الملك الذي صرف الجميع بإشارة من يده يحاول التماسك :
" اعذريني مولاتي لوقاحتي، فقط تذكرت أمرًا ما، رجاءً استريحي"
ابتسمت له تبارك تتحرك بتوتر صوب العرش ترفع أطراف الفستان ليس لأجل كلمات الكتاب، بل لأنها تخشى السقوط بسببه .
وبمجرد أن جلست خرجت زفرة عالية من فمها بالتزامن مع خروج زفرة أخرى من سالار والذي لم يصدق أنها جلست قبل التسبب في المزيد من الكوارث .
نظرت له تبارك بعدم فهم، لكنه لم يهتم بأي شيء، بل استقام يقول بهدوء شديد وهو ينظر للملك باحترام :
" مولاي اسمح لي بالذهاب لتفقد الجيش وسأخبرك بكل شيء حينما انتهي من فحصه "
هز إيفان رأسه يسمح له بالرحيل، ثم استدار لتبارك التي كانت تراقب رحيل سالار، لتسمع صوت إيفان يردد بهدوء :
" أتمنى أن تكون إقامتك معنا مريحة "
" أوه نعم مولاي، جيدة جدًا اشكرك "
ابتسم لها بلطف يتساءل :
" إذن ما نتائج دروسك الاولى مع دانيار والعريف "
" اعتقد أنني ابلي بلاءً حسنًا في السهام، لكن ذلك العريف لا استطيع إعطاء حكم على درسه الذي لم اتلقاه إذ طردني من المكتبة قبل البدء "
ختمت حديثها بحنق شديد لما تعرضت له، فانفجر إيفان بالضحك على كلماتها :
" حسنًا هذا متوقع لا تقلقي "
" هل من الطبيعي أن يطردني العريف من المكتبة وانا لم افعل له شيئًا ؟؟"
صمت إيفان يهز رأسه بجدية متنحنحًا :
" حسنًا أنا الملك ولطالما طردني من مكتبته كذلك، لا أحد أعلى من أن يُطرد من مكتبة العريف، جميعنا سبق وطُردنا منها مرة أو اثنتين "
صُدمت تبارك من حديثه :
" هل مكانته أكبر منك هنا ؟؟"
" لا بل عمره أكبر مني، وأنا تعلمت ألا أقلل ممن هو أكبر مني في العمر، والعريف كذلك، لذلك احترمه أنا وجميع سكان القصر "
باستثناء تهديدي له بالقتل مئات المرات، وتحطيم سالار لمكتبته، وشجاره مع تميم ودانيار، فنعم الجميع هنا يحترم العريف ولا يقللون منه البتة .
كبت إيفان تلك الكلمات داخل صدره، قبل أن يقول بهدوء :
" إذن جاهزة لدروسي ؟؟"
نظرت له بفضول لينهض عن عرشه يشير لها أن تهبط هي كذلك، متحركين صوب الخارج يقول بجدية كبيرة :
" سوف آخذك في جولة داخل القصر لتفقد شؤنه واعرفك على كل ما به "
ابتسمت له تبارك بسمة واسعة ردها هو ببسمة أخرى يدعوها للتحرك معه، وبالفعل سارت معه تبارك تستمع لحديثه بانتباه شديد وقد استمتعت كثيرًا لنبرة الحب التي تنبثق من بين كلماته حين الحديث عن بلاده، وأدركت أنه ملك ذكي، بل في غاية الذكاء .
توقفت تبارك تتساءل بتعجب حين وصل بهم الحديث لنقطة ما مجهولة لها :
" المنبوذون ؟؟ من هم المنبوذون، سمعت عنهم الكثير منذ جئت "
نظر لها إيفان ثواني قبل أن يشرد أمامه يقول بهدوء محاولًا قدر الإمكان تبسيط كل شيء لها :
" حسنًا هم جماعة من الأشخاص الذين نبذتهم الممالك سابقًا، أو هربوا من أحكام حاسمة كالاعدام أو ما شابه، شكلوا معًا جماعة سُميت بالمنبوذين لا هوية لهم ولا دين ولا وطن كذلك، تجمعوا من أماكن متفرقة لتأسيس مملكة مزعومة لهم وقد عملوا قطاع طرق في بداية ظهورهم، قدنا حملات تطهير عليهم لكنهم يزدادون بمعدلات خطيرة"
صمت ينظر لها وهو يتحرك لتسير خلفه باهتمام شديد منصته لكل كلمة تخرج منه :
" سبق وأن خطفوا العديد من النساء وإجبارهن على الزواج منهم لأجل استمرار سلالتهم، واستمروا سنوات طويلة يحاولون بناء وطن مزعوم، حتى حدث لهم ما تمنوا واحتلوا مملكة مشكى، مملكة من أقوى الممالك أخذوها وقتلوا العائلة الحاكمة بها وقاموا بمذابح في حق جيشها الخاص وشعبها، واغتصبوا النساء ودمروا المملكة بأكملها والآن يسعون لاحتلال باقي الممالك لتوسيع رقعتهم وصناعة وطن لهم بعدما نبذهم الجميع "
انتهى من حديثها لينتبه أن جسد تبارك تصنم وقد شعرت أن هذه القصة مألوفة، مألوفة وبشدة لها، كافة التفاصيل وكأن ما يحدث هنا هو مجرد عالم موازي لما يحدث في عالمها .
سقطت دموعها تقول بصوت خافت دون شعور :
" أوه، أشعر أنني سمعت مثل هذه القصة سابقًا "
نظرت للملك تقول ببسمة موجوعة :
" دعني أخمن، هناك من ساعدهم لاحتلال مشكى، ومدهم بالأسلحة والذخيرة لأجل فعل كل هذا ؟؟"
نظر لها إيفان بفضول يقترب منها بعض الخطوات :
" وكيف استنتجتي هذا ؟!"
رفعت يدها تشرح له ما سيحدث وكأنه ترى المستقبل والمرارة تصاحب حروفها :
" هذا سهل استنتاجه، فما تخبرني به ليس غريبًا على مسامعي، الآن ستتحول مشكى لمقبرة جماعية، ومجرد منازل مهدمة، سيتشرد الاطفال وتُغتصب النساء، ويستشهد الرجال، وتتحطم المنازل، وتدفن الاحلام أسفل ركامها "
شعر إيفان بوجع كبير يسكن صوتها، لا يعقل أنها تعاطفت بهذا الشكل مع مشكى لدرجة أن تتحدث بهذه النبرة المقهورة .
بينما تبارك تنفست بصوت مرتفع ساخرة :
" اكيد فيه امريكا تانية هنا، هي اللي بتساعد الصهاينة بالسلاح، ما هو جماعة زي دول عمرهم ما يقدروا يعملوا وطن من لا شيء ؟؟"
ورغم تحدثها بالعامية أمامه إلا أنه فهم كل شيء قالته عدا تلك الكلمات الغريبة :
" ما معنى ( امريكا )؟!"
ابتسمت تقول وهي تحرك كتفها ببساطة :
" هذا لقب نطلقه نحن على حاويات القمامة في عالمنا "
" والصهاينة ؟!"
" هذه القمامة نفسها "
هز رأسه ليقول بهدوء شديد رغم عدم اقتناعه من تلك الإجابة بشكل تام :
" حسنًا ردًا على سؤالك السابق مولاتي، فنعم أصبتي هناك مملكة تدعمهم بالأسلحة وكل شيء "
" ولا بد أن هذه المملكة هي أولى الممالك التي تصرخ وتنادي بالحقوق والحرية لهم ؟! دولة قوية لها جيش قوي، قادرة على إمدادهم بأسلحة بشكل مستمر ؟؟"
ابتسم إيفان بسمة غامضة وشعر كما لو أنه يتحدث مع سالار، نفس التفكير ونفس الكلمات .
" نعم احسنتِ، هي كذلك "
" إذن نهاية المنبوذين لن تبدأ إلا حين تضع بنفسك نهاية لتلك المملكة "
مازحها إيفان وبين طيات حديثه ظهر تقديره واعجابه بطريقتها :
" بالضبط، أنتِ صاحبة عقلية حربية ممتازة ملكة تبارك، أرى أنكِ تمتلكين خبرة كبيرة في الحروب، ربما تشاركين في وضع مخططات حروب مع سالار في المستقبل"
ابتسمت تبارك بسمة مقهورة :
" نعم أصبت، أنا امتلك خبرة كبيرة في الحروب، فمتابعتك لحروب امتدت لعقود كفيلة بجعلك خبير حروب "
ختمت حديثها تمسح وجهها وهي تشعر بقلبها يرتجف، تريد الخروج من تلك النقطة، وهي تنظر بإيفان مبتسمة :
" إذن مولاي لم تخبرني عن قوانين القصر هنا، هل هناك ما يجب تلاشيه ؟؟"
" باستثناء سالار والرجال عامة والأمور المحرمة، فلا، تصرفي براحتك مولاتي "
نعم سالار بالطبع، ذلك الرجل الغريب المريب الذي منذ رأته وهي تشعر أنه يتحول كل ثانية لشخصية غير التي سبقتها، ربما عليها بالفعل أن تتلاشاه.
استفاقت على صوت إيفان يدعوها لتتبعه :
" هيا سأريكِ الحدائق الخلفية أثق أنكِ ستحبينها "
ابتسمت تبارك تتحرك خلفه بسعادة وهي تنظر له بإعجاب شديد، شخص هادئ لبق وسيم به صفات غير متوافرة في عالمها إلا نادرًا، وهي من كانت معجبة بعلي فقط لأنه وسيم، بالله أين علي من إيفان ورجال مملكته ؟؟
_____________________
يسيرن بين الممرات بعدما هربت زمرد من عملها بلا اهتمام، ونفرت كهرمان من كل شيء، وفرت برلنت من المعمل وتميم .
كانت الثلاث فتيات بملامح مقتضبة، كلٌ يبكي على ليلاه، كهرمان تفكر في حديثها مع الملك، لا تدري أقست عليه أم بالغت في حديثها لا تزال تتذكر ملامحه المصدومة من كلماتها وكأنها أخبرته بحدوث معجزة صعبة التصديق .
وزمرد تفكر في المبارزة التي ستخوضها مقابل دانيار وإن كانت تسرعت أم لا، هي فقط تود استعادة سيف والدتها الغالي، وإن كان القتال هو الحل الوحيد، فليكن إذن.
أما برلنت فهي تسير وصوت صراخ تميم بها يتردد في أذنها، اخطأت ورأت به تميم القديم، وهو صرخ في وجهها بأن تخرج، ترى ما القادم في هذه الحكاية المعقدة ؟!
فجأة توقف الجميع بسبب توقف كهرمان المفاجئ حين تعلقت أنظارها بنقطة معينة، تحركت أعين الجميع صوب تلك النقطة ليبصرن الملك يسير مع فتاة بملامح رقيقة هادئة .
قالت برلنت متسائلة:
" هل هذه هي الملكة ؟؟ لا تبدو لي فاسدة "
نظرت لها زمرد بتشنج تضرب رأسها حانقة :
" تالله أن عقلك هو الفاسد، كونها من عالم المفسدين لا يعني أنها فاسدة "
نظرت لها برلنت بغيظ شديد وهي تقول معترضة :
" معاشرتك لقوم فترة طويلة قد تؤثر على قلبك وتجعلك مثلهم "
رفعت زمرد حاجبها تتحرك يدها صوب خنجرها بسرعة كبيرة لتتراجع برلنت مبتسمة وهي تقول تحاول تلاشيها :
" هييه لِمَ الغضب عزيزتي ؟؟ هل هي شقيقتك وأنا لا أعلم ؟!"
ودت زمرد أن تخبرها لا، بل لأنها ضغطت دون شعور على جرح داخلها ورعب يتملك صدرها، تخشى أن تكون منهم، مثلهم دون شعور منها، أن تكون واحدة من المنبوذين .
أبعدت برلنت عيونها عن زمرد وهي تحدق بتبارك وكأنها تفحصها لترى إن كانت تليق بمكانة الملكة هنا :
" حسنًا هي تبدو جميلة وطيبة، ما رأيك كهرمان هل تليق لتكون ملكة باعتبارك أميرة ؟؟"
لكن كهرمان كانت في عالم اخر وهي تحدق في ملامح إيفان، تطيل النظر به تتذكر افتتانها الأول بقتاله في أول لقاء لها به حين مبارزته دانيار ذلك اليوم، ولم تعي أن برلنت طرحت سؤالًا تنتظر إجابة له .
وكانت الإجابة من زمرد التي نغزت كتف برلنت بحنق :
" أيتها الحمقاء لِمَ لا تذهبين وتخبري الجميع أنها أميرة مشكى الهاربة ؟؟"
تأوهت برلنت بحنق شديد وهي تترفع عن التحدث لزمرد، ثم نظرت لكهرمان التي كانت شاردة في نقطة بعيدة عن الجميع :
" هييه كهرمان، ما بكِ يا فتاة ؟؟ "
صمتت ثواني تنظر حيث الملك قبل أن تشهق بصوت مرتفع وهي تقول بهمس شديد جعل جسد كهرمان ينتفض :
" لا تخبريني أنك معجبة بالملك ؟!"
استدارت لها كهرمان بصدمة رافضة ذلك الحديث من جذوره :
" ماذا ؟! هل تمزحين معي ؟؟ مستحيل أنا فقط ...فقط أشفق على تلك المسكينة التي ستتزوجه لهذا الملك "
التوى ثغر برلنت بحنق ويبدو أن تلك الكلمات لم تعجبها :
" ماذا تقولين أنتِ، بل محظوظة هي لتنال الملك إيفان، يا فتاة الرجل لا عيب به تبارك الرحمن، ما كامل إلا وجهه سبحانه وتعالى، لكن الرجل لا يشكو شيئًا "
نظرت لها كهرمان بشر يلتمع في حدقتيها لتتراجع برلنت للخلف :
" ما بكِ، أنا أقول الحقيقة، حسنًا حسنًا هو سييء فقط اهدأي "
تنفست كهرمان بحنق وهي ترفع عيونها لزمرد التي كانت تنظر لها ببسمة خبيثة جانبية جعلتها تشهق :
" إياكِ زمرد "
" وماذا قلت أنا بالله عليكِ أنتِ ..."
وقبل أن تكمل زمرد كلماتها سمعت جميع الفتيات صوت امرأة تصيح بصوت مرتفع وهي تشير عليهن :
" ها هي ذا سيدتي "
ضمت برلنت شفتيها تنظر بصدمة لكهرمان، تحاول استيعاب سرعة ما حدث :
" يا ويلي هل سمعوكِ ؟؟ اهربي كهرمان "
تحفز جسد زمرد وهي تقف أمام كهرمان بريبة خائفة أن يكون أحد اكتشف شيء ما عنها أو عن كهرمان أو افعالهما، كان وجيب قلبها يهدر بقوة ويدها تتحسس الخنجر في انتظار اقتراب النساء منهما، وبرلنت تنظر لهما بشفقة كبيرة .
لكن ما حدث كان أن النساء أمسكت وللصدمة ببرلنت التي اتسعت عيونها بصدمة تقول :
" ماذا ؟؟ ما هذا ؟!"
علت البلاهة نظرات زمرد وكهرمان، وبرلنت لا تفهم ما يحدث :
" ماذا تفعلون، ابعدوا ايديكم عني..ياا، ما هذا ؟؟"
وقبل أن تعترض وجدت فتاة تظهر من خلف النساء تجاور مشرفة العاملات وهي تشير صوب برلنت وهناك نظرات تشفي تعلو وجهها :
" ها هي سيدتي، هذه هي الخادمة التي رأيتها تخرج من معمل صانع الأسلحة ركضًا، لا بد أنها هي من سرقت خاتمه"
اتسعت أعين زمرد وهي تنظر لبرلنت وكهرمان شعرت بالصدمة كبيرة، بينما برلنت فغرت قاهها ببلاهة :
" ماذا ؟! أي سرقة تلك وأي خاتم هذا الذي سآخذه من ذلك صانع الأسلحة ؟! بالله ما وطئت يومًا معمله وخرجت بخير، هل تعتقدون أنني امتلك الرفاهية داخلة لاسرق"
تحدثت المشرفة بهدوء شديد وهي تنظر لها تقول بصوت عميق :
" سنقوم بتفتيش أغراضك وإذا ثبتت التهمة سينفذ بكِ الحكم بعد قرار الملك، والآن ألحقن بي صوب حجرتها "
اتسعت أعين برلنت تنظر للفتاة التي وشت بها والتي كانت نفسها من تشاجرت معها، وقد كانت ترمقها بتشفي وسعادة كبيرة، سحبتها النساء صوب حجرتها، لكنها وحين مرت بالفتاة توقفت وضربتها بقدمها مسقطة إياها ارضًا :
" سأعود يا حقيرة "
صرخت الفتاة تسقط ارضًا وهي ترى الجميع يسحب برلنت خلفهم لتتأوه، ولم تكد تصرخ وتعترض على ما فعلته حتى شعرت بجسدها يرفع بقوة، نظرت برعب صوب زمرد التي همست لها :
" ما الذي فعلتيه يا ابنتي ؟؟ ألم تتعلمي أن الكذب حباله قصيرة ؟؟"
نظرت لها الفتاة تحاول ابعاد قبضة زمرد عن ثيابها لتقول زمرد بتحذير :
" إن علمت أن لكِ يد في هذه المكيدة، سأقوم بلف حبال الكذب حول رقبتك واخنقك، وأنا أعني ذلك ...حرفيًا "
تركتها لتسقط ارضًا، بينما كهرمان حدقت فيها بنظرات غامضة، ثم منحتها بسمة مخيفة :
" سأجدك إن حدث شيء لرفيقتي، والآن اعذريني "
ختمت حديثها تسير خلف النساء بكل هدوء وهي تفكر في المصائب التي تُلقى على رؤوس الجميع .
_______________________
" تميم إن لم تتوقف عن الدوران بهذا الشكل سأنهض وأحشر سهامي في فمك "
كانت تلك الكلمات الغاضبة صادرة من فم دانيار الذي ملّ حركات تميم في المعمل بهذا الشكل مزعج، وسالار يراقب ما يحدث بهدوء شديد وهو مضجع على مقعده براحة شديدة .
توقف تميم عن الدوران يصرخ ضاربًا الطاولة أمام الاثنين بحنق، ليغمض سالار عيونه بحنق :
" هل تمزح معي ؟! هذا الخاتم يعني لي الكثير و..."
نفخ دانيار مقاطعًا إياه:
" نعم نعم وهو آخر ذكرى لك من بيرلي ..."
أشار له تميم بإصبعه محذرًا :
" برلنت بالنسبة لك، أو آنسة برلنت "
رمقه دانيار بحنق شديد ليبتسم سالار مما يرى ويسمع :
" جيد أن هناك حبًا في قلبك ينافس الأسلحة "
نظر له تميم وكبت بصعوبة كلماته التي كان سيخرجها بكامل عفويته ويخبر قائده أنها هي أيضًا سلاح، بل السلاح الأخطر والذي استطاع هزيمته، لكنه كبت كل ذلك وهو يقول مشيرًا بإصبعه في وجوه الاثنين :
" سأنتظر حتى تسقطا أنتما الإثنان في العشق وتأتيان لي تبكيان من مرارته "
رفع سالار عيونه لتميم وقد التوى ثغره بسخرية ضاربًا إصبعه:
" أحلم كما شئت "
" ستفعل يا قائد، فإن كان كامل جسدك من الصخر فقلبك ليس كذلك، وهذا الذي يجلس جانبك ويتبجح أنني أبالغك، يضم كل ليلة سيف تلك الفتاة بين أحضانه مخافة أن يتبخر "
انتفض دانيار في جلسته بعدما كان متكئًا براحة على المقعد، ينظر لتميم بحنق شديد واعتراض على كل ما قال يرى نظرات سالار قد انتبهت له باهتمام شديد يتساءل بفضول عما يعنيه تميم .
لكن دانيار سارع للدفاع عن نفسه :
" أيها الكاذب، ما أدراك أنت والسيف ها ؟! هذا جزائي لأنني أخبرت واشيًا مثلك "
استدار صوب سالار يقول بتبرير وسالار يستمع ببسمة خبيثة :
" لا تسمع له يا قائد هو احمق كاذب، كل ما في الأمر أنني أخشى سرقته للسيف "
لكن تميم لم يتركه قبل أن ينال منه بالكامل، بل سارع بسحب المقعد المجاور لسالار من الجهة الأخرى يجلس عليه بلهفة يقص عليه بتشفي :
" بلى يا قائد هو الكاذب، انظر إليه بالله عليك نظرات الحب واضحة في عيونه "
وضع دانيار يده أعلى عيونه بصدمة متسائلًا أي حب هذا بالله ما شعر ولو بدقة قلب تنبئه بالأمر.
" أنت توقف، هو يكذب يا قائد، بل هو العاشق الغبي الذي يندب حياته ومصيره منذ سنوات حينما نبذته بيرلي تلك الصغيرة، اقسم أن ما فعلته بتركك كان أكثر أفعالها الحمقاء حكمة، فمن تلك التي تتحمل العيش معك مدى الحياة ؟؟"
" بل السؤال هو، من تلك التي قد تتحملك أنت مدى الحياة"
ابتسم سالار يقول بهدوء وبرود شديد وهو يبعد وجه الاثنين بعضهما البعض قائلًا بجدية :
" بل السؤال هو بالله كيف اتحملكما أنا كل تلك الحياة ؟!"
ابتعد الاثنان عنه وقد شعرا بالحنق من بعضهما البعض وسالار زفر بحنق :
" يااه جئتكم لنتناقش في حروبنا، فتحولت الجلسة للندب والتحسر على الفتاة التي ستقع في حبكما ؟؟ اقسم أنني اشفق على نفسي لأنني اتحملكما، هيا انهضا من أمامي "
انتفض الاثنان بسرعة يؤديان التحية له بعد صرخته الأخيرة :
" أوامرك يا قائد "
نهض سالار يتنفس بصوت مرتفع ثم نظر لهما جيدًا وما كاد يتحدث حتى سمع صوت أحد الحراس يستأذن للدخول وهو يقول بجدية :
" سيدي لقد ارسلت المشرفة لك تخبرك أنها عثرت على الخاتم والسارقة، وسيدي القائد أرسل لك الملك يبلغك أن الملكة في انتظارك لأجل التدريب داخل الساحة"
ابتسم دانيار ينظر لهما وهو يتمطأ براحة :
" إذن بما أن لا شيء أفعله هنا، فسوف اذهب للراحة حتى يحتاج لي أحد و..."
أوقفه سالار يقول بهدوء شديد واستفزاز شديد لنظراته المتشفية تلك :
" إذهب وتفقد الجيش دانيار "
" لكن سيدي أنا بالفعل تـ "
قاطعه بأمر شديد اللهجة :
" تفقده مرة أخرى "
ختم حديثه يبتسم له باستفزاز، ثم تحرك خارج معمل تميم الذي هرول بسرعة ليحضر خاتمه تاركين دانيار يكاد يتميز من الغيظ ..
" الله يرحيني من كل هذا، ماذا كان سيحدث لو أنني أطعت والدي رحمة الله عليه وعملت برعاية الأغنام ؟؟"
________________________
تقف في ساحة التدريب بعدما تم افراغها لأجلها خصيصًا، تنظر حولها بتوتر شديد، ياالله مالها ومال القتال والحروب وتلك الأمور التي لم تسمع عنها سوى في الافلام التاريخية قديمًا .
ابتلعت ريقها ترى من سيدربها يخطو للمكان، ولحظها السييء كان نفسه العزيز الذي يفضل رؤية موته يسير على قدمين ويتمختر أمامه، ولا يراها هي .
تحرك سالار داخل المكان بملامح جامدة قوية لا يظهر عليها أي شيء، حانق نقم مما يحدث، تقدم ليراها تقف وترمقه برعب وكأنه وحش سينقض عليها، وهذا ما كان يفكر فيه بالفعل .
ابتسم بسمة جانبية لم تزد الأمور إلا سوءًا، يتحرك صوب حاملة السيوف، ينتزع واحدًا، ثم تقدم من منتصف الساحة يشير بعيونه صوب السيوف في إشارة واضحة منه لها أن تتحرك وتحمل خاصتها.
لكنها فقط نظرت له بعدم فهم، ثم نظرت صوب ما يشير وقالت بغباء :
" ماذا ؟؟"
ابتسم بسمة حسرة على ما وصل له، يضم قبضته لفمه، ثم قال ساخرًا :
" ماذا برأيك ؟؟ اذهبي واحضري سيفك "
انتفضت تبارك على صوته، لتركض بسرعة كبيرة صوب حاملة السيوف، تتجنب غضبه المشتعل، ما بال هذا الرجل كل شيء به مشتعل، خصلات شعره ولحيته ومزاجيته ؟
توقفت أمام حاملة السيوف تقول بصوت حانق غاضب وتمتمات لا تتوقف تسخر منه :
" اذهبي واحضري سيفك ...الله يلعن دي عـ "
فجأة أطلقت صرخة عالية تزامنت مع سماعها لصوته الغاضب الصارخ وقد نسي أنه لا يدرب جنديًا صلبًا كالصخر، بل هو أمام فتاة رخوة كالحلزون من الداخل :
" توقفي عن اللعن، واحضري سيفك "
نظرت له تبارك بشر كبير وقد بدأ صدرها يزدحم بالعديد من المشاعر السلبية تود لو تنقض عليه، تكبت دموع كادت تخرج منها صارخة في وجهه بالمقابل :
" لا تصرخ بي هكذا أنا الملكة هنا "
حسنًا يحق لها استغلال مميزات منصبها، إن كان ذلك الرجل لا يتحدث إلا بلغة المقامات والمناصب..
منحها سالار بسمة غريبة ونظرة مريبة وهو يميل برأسه قليلًا، يقول بصوت خافت ملئ بالاحترام، وربما السخرية :
" معذرة لمولاتي، رجاءً سموك احملي سيفك وشرفيني بالتحرك لمنتصف الساحة "
هزت تبارك رأسها تتجاهل الصوت في داخلها والذي يخبرها حانقًا أنه يسخر منها، مدت يدها تحاول سحب السيف وهي تقول :
" هذا افضل و..."
توقفت حينما شعرت بالسيف عالق، مدت كفيها الاثنين تحاول سحبه بكل قوة، حاولت مرات ومرات حتى بدأت تشعر بوجود خطب ..
اقتربت أكثر وقد بدأ وجهها يتعرق وهي فقط تحاول اخراج السيف وحمله، بينما سالار في منتصف الساحة يستند على سيفه الخاص بملل شديد يراقبها تحاول وتحاول، صفق لها من الخلف :
" بداية موفقة سموكِ، يبدو أننا اليوم سنتعلم كيفية استخلاص السيف من حاملة السيوف "
نظرت له تبارك بسرعة كبيرة غاضبة من سخريته الدائمة منها تصرخ في وجهه:
" هذا ليس خطأي السيف عالق، جميع السيوف كذلك "
تحرك صوبها سالار يزفر بحنق شديد، وبمجرد أن توقف أمامها تراجعت تبارك للخلف مبتلعة ريقها وهو نظر لها بنظرات غريبة، وأطال النظر في وجهها، ثم ودون كلمة مد يده ينتزع السيف بكل سهولة وهي نظرت بريبة وخجل لما فعل :
" هو ..هو كان مش راضي يطلع على فكرة "
ابتسم لها سالار بسمة خفيفة، ثم وضع السيف بين يديها لتمسكه منه تقول بجدية تحاول أن تعدل من صورتها في نظره :
" على فكرة أنا بس مـ "
وفجأة وحينما ترك السيف بين ذراعيها سقطت به ارضًا وبقوة بسبب تفاجئها من وزنه، ليس بسبب ثقله الكبير، بل بسبب عنصر المفاجأة فهي توقعت أن تستلم شيئًا بسيط، لكن فجأة شعرت بثقل مروع بين ذراعيها يأخذها ويهبط بها للاسفل كمرسى السفن .
مال سالار برأسه يحدق بها من علياه مبتسمًا :
" نعم سنستمتع كثيرًا بالأمر "
ابتلعت تبارك ريقها وهي تحاول النهوض متحدثة بنبرة جادة :
" هو ... الأمر كان مفاجئًا لي، والآن أنا مستعدة، هيا ..هيا علمني كيف ابارز "
كانت تتحدث وهي تحمل السيف جيدًا رغم وزنه الغير معتاد ليدها، إلا لم يكن بالثقيل كي لا تتحمله، أو بالخفيف كي لا تشعر به، حسنًا هو مقبول .
كانت تبارك تفكر في كل ذلك وهي تحدق في السيف، وسالار ينظر لها ينتظر أن تنتهي من التحديق به وتبدأ، مال برأسه قليلًا وقد طال انتظاره، ربما منذ ثواني وهو يقف بهذا الشكل .
" هل هناك مشكلة ؟!"
رفعت رأسها بسرعة تتساءل عن مقصده :
" ها ماذا ؟؟"
" السيف، أراكِ تحدقين به كحبيب بعد غياب، ألن نبدأ ؟؟"
نظرت له بجهل ليزفر رافعًا سيفه دون مقدمات في وجهها، لتنتفض للخلف تضم سيفها الخاص بين أحضانها وكأنها تخشى أن يرتعب حين يرى ما يفعل سالار بسيفه، وسالار رفع سيفه يشير لها بحمل خاصتها :
" احمليه كما أفعل "
" طب ..طب براحة عليا طيب عشان أنا أول مرة اشيل سيف، اتعامل معايا معاملة المبتدئين عادي "
ابتسم لها بسمة صغيرة يقول بنبرة هادئة قدر الإمكان :
" ابشري "
ابتسمت له أخرى مرتجفة :
" قبلت البشرى "
نظر لها مراقبًا، لتبتلع ريقها تقول بصوت خافت :
" ليس الأمر وكأنني ولدت في ساحة المعركة "
بدأت تحاول رفع السيف لتنجح وهي توجهه له ممسكه به بين قبضتيها بقوة وبشكل مثير للضحك .
نفخ سالار يحاول تهدئة نفسه مذكرًا إياها أن تلك ملكته، وهي لا تفقه شيئًا في حياتهم، وهو معلمها الآن، وهي مهمته وهو لم يفشل يومًا في مهمة، ولن يفعل بسببها .
ألقى سيفه ارضًا ليحدث صوتًا مدويًا جعل تبارك تطلق صرخة خائفًه وهي تعود للخلف بسرعة تضم سيفها لها بصدمة، بينما سالار اقترب منها يسحب سيفها :
" حسنًا لنبدأ بالاساسيات و..."
فجأة توقف عن الحديث حينما وجدها تضم السيف لها بقوة رافضة أن تتركه، حدق في وجهها بعدم فهم يقول :
" اتركي السيف "
" لا لا هذا وسيلتي للدفاع عن نفسي "
تشنج وجه سالار بحنق :
" الوسيلة التي تجهلين استخدامها لن تكون للدفاع عن نفسك، بل ستكون وسيلة انتحار لكِ، والآن اتركي ....هذا السيف ..حالًا"
كانت يتحدث من بين أسنانه بكلمات متقطعه حتى استطاع واخيرًا جذبه منها، زفر يلقيه ارضًا، ثم نظر لها وفجأة ابتسم بسمة لم تساهم في طمئنة تبارك، بل أدت لتراجعها للخلف مرتعبة منه .
" ايه ؟! بتبصلي كده ليه ؟؟"
ابتسم لها بسمة متسعة أكثر :
" لتتفق اتفاق، حسنًا ؟!"
نظرت له بريبة ليكمل هو بهدوء شديد :
" أنا أحاول أن التماسك وعدم قتلك مقابل أن تنتبهي لما أقوله وتتبعي تعليماتي، هل الأمر سهل ؟؟"
هزت رأسها بنعم ليتنهد واخيرًا :
" إذن مولاتي قبل البدء تحتاجين لمعرفة اساسيات هامة، اولًا لا تعاملي سيفك كما لو أنه قطعة حديد تحملينها، بل عامليه كما لو أنه أحد أطراف جسدك، قطعة منكِ كي تستطيعين التحكم به جيدًا"
رفع إصبعه الثاني وهي فقط تركز مع أصابعه :
" ثانيًا، عليكِ معرفة كيفية الوقفة الصحيحة أثناء حمل السيف، وكيفية القتال به بشكلٍ لا يؤذي جسدك، ثالثًا عليكِ معرفة متى تدافعين ومتى تهاجمين، واضح حديثي ؟؟"
هزت رأسها بلا ولم تكن تمزح، هي بالفعل تشعر بالتوتر الشديد من الأسلحة ومن الموقف ومن سالار نفسه .
ابتسم سالار يقول بهدوء شديد، يدرك مقدار خوفها ويقدره :
" هذه بداية مبشرة، الآن مولاتي سنتعلم معًا، كيف تحملين سيفًا دون أن تظهري كبلهاء أمام عدوك فيجز عنقك "
نظرت له تبارك تقول بسخرية :
" كل ده عنوان للدرس ؟!"
انخفض سالار يحمل سيفه مبتسمًا بسمة لا تبشر بالخير هاتفًا بصوتٍ خافت :
" بل أمنية ..."
نظر لها يقول بجدية :
" امسكي سيفك كما أفعل الآن ؟؟"
نظرت له بريبة وهي تتخيل أن تنحني لامساك السيف فينقض عليها ويجز عنقها، لذلك مالت تلتقطه دون أن تبعد عيونها عنه، وحينما استقامت راقبت يده تحاول أن تحمل السيف بشكل جيد وحينما تمكنت واخيرًا ابتسمت سالار يقول بتشجيع :
" هذا جيد، أنتِ تتعلمين بسرعة "
وتبارك تلك المسكينة التي كانت ترتعب من الأسلحة وتخاف حدّ السكين كانت تحاول دفن خوفها، السهام لم تكن مخيفة بهذا المقدار، أو أن خوفها نابع من كوّن سالار معلمها .
رفع سالار سيفه يقول :
" والآن دافعي، ارفعي سيفك بزاوية وصدي ضرباتي بخفة"
كان يتحدث وهو يحرك سيفه ببطء شديد صوبها، فقط يود أن تتعلم وضعية الدفاع بشكل عملي، لكن تبارك اعماها الخوف ولم تبصر من كل ذلك سوى أن السيف يقترب منها لترتجف وتصرخ ملقية سيفها ارضًا وهي تصرخ وتخفي وجهها بين ذراعيها .
ومن سوء حظها اصطدم السيف بثقله في قدم سالار الذي اغمض عيونه منتفضًا للخلف يحاول كتمان صرخة وهدير قوي، اغمض عيونه أكثر وأكثر وفجأة فتح فمه يقول بصوت زلزل المكان بأكمله :
" لعنة الله على الكافرين.... "
__________________
كانت تضم ذراعيها لصدرها وهي تحدق في تلك الفتاة بشر كبير ولولا أنها مقيدة بواسطة فتاتين لكانت الآن انقضت عليها ولن تتركها إلا حينما تخفي معالم وجهها .
زفرت بضيق تراقب النساء اللواتي بعثرن كل شيء داخل غرفتها المشتركة مع رفيقتيها، وفجأة انتفض جسدها حين سمعت صوتًا يقول بلهفة :
" وجدته سيدتي، لقد وجدت الخاتم "
اتسعت أعين برلنت تستدير صوب الفتاة بصدمة كبيرة لا تصدق ما تسمعه، أي خاتم ذلك وما الذي جاء به لغرفتها ؟؟
اقتربت المشرفة تنتزع الخاتم من يد العاملة وهي تحركه بين أنامله بهدوء، ثم رفعته في وجه برلنت تقول بجدية كبيرة :
" ما الذي يفعله هذا هنا ؟؟"
" لا اعلم اسألي من أحضره والذي بالطبع ليس أنا "
كان ردًا باردًا حادًا وهي لا تهتم بأي شيء سوى بكيفية وصول هذا الخاتم لغرفتها وبين ثيابها و...لحظة هذه ليست ثيابها التي استخرجوا منها الخاتم، بل ثياب ...كهرمان ؟؟
شعرت برلنت بالدهشة مما يحدث، كيف له أن يصل لثياب كهرمان وهي لا تعمل داخل القصر من الأساس، أو هي لا تعمل عامة ؟؟
فجأة نست كل ذلك وتلاشت كل أفكارها حين رأت ذلك الخاتم بين أصابع السيدة، هي تعرفه جيدًا ذلك الخاتم لا يمكنها أن تنساه يومًا وكيف تفعل وهو ...خاتمها هي ؟؟
عند هذه الفكرة وجدت صوتًا رجوليًا يقتحم غرفتها الصغيرة التي شعرت بها تضيق فجأة لوجوده بها وهو يقول بصوت متلهف :
" هل وجدتم خاتمي ؟!"
استدارت له المشرفة وهي تعطيه الخاتم تقول بجدية :
" نعم سيدتي وجدنا الخاتم، والسارقة أيضًا "
ختمت حديثها تشير صوب برلنت التي كانت ما تزال محبوسة داخلة صدمتها أنه ما يزال يحتفظ بخاتمها بعد كل تلك السنوات، استدارت ببطء ترمقه من خلف غطاء وجهها لترى اشتعال عيونه وهو يقترب منها هامسًا :
" كي تجرأتي وسرقتي شيئًا من معملي ها ؟؟ ألا تعلمين عقوبة السارق هنا ؟؟"
رفعت وجهها له وهي تقول بوقاحة ودفاع :
" نعم اعلمها وماذا في ذلك ؟؟ أنا لم أسرق منك شيئًا لتهددني بهذا الشكل، ثم حتى وإن فعلت فهل تظن أنني سأغامر بحياتي لأجل خاتم سخيف كـ "
قاطعها صراخ تميم بصوت مرتفع جعلها تعود للخلف بسرعة تختبئ خلف المشرفة التي انتفض جسدها من صراخه :
" سخيف ؟؟ خاتمي الغالي سخيف ؟؟ هذا الخاتم بحياتك"
نظرت له برلنت وقد تراقص قلبها فرحًا وهي ترى تمسكه بخاتمها العزيز :
" لماذا هل هو خاتم سليمان يا هذا ؟!"
" بل خاتم تميم، خاتمي الخاص "
نظرت له بحنق تنفخ بصوت مرتفع :
" حسنًا وها هو خاتمك العزيز عاد إليك، خذه واتركني وشأني "
اقترب منها تميم بشكل مثير برعب لتتراجع أكثر وهو يقترب منها مجبرًا إياها على إبعاد رأسها بشكل مثير للضحك وهو يهمس لها :
" لم تخمني يا قردة "
اتسعت أعين برلنت أنه علم هويتها، وهو ابتسم بسمة جانبية يقول بشر :
" سأريكِ كم هو ثمين هذا الخاتم."
ابتلعت ريقها من تهديده لها بهذا الشكل، وفي النهاية هو خاتمها الخاص، أو بالأحرى خاتمها الذي أهداه لها سابقًا لتعطيه إياه قبل رحيله :
" لا تتعب نفسك سيدي وتريني، فأنا للتو انتبهت أنه غالي وبشدة "
ابتسم تميم بسمة جانبية :
" لا بأس بتأكيد ."
تنفست بصوت مرتفع تشعر بتهديد يختفي بين كلماته، كل هذا لأجل خاتم قديم تملكه هي من الأساس ولم تسرقه، لكنها خشيت أن تخبرهم أن تلك الثياب التي اخرجوا منها الختم تعود لكهرمان، فقط صمتت وقالت :
" إذن ما الذي تريده ؟! هل ستجلدني عقابًا على فعلتي ؟!"
اتسعت أعين تميم بقوة هامسًا دون أن يهتم بمن حولهم من الأشخاص، فقط يتعجب مقدار وقاحتها وعدم خجلها من الاعتراف بجرمها :
" أنتِ وقحة "
" أشكرك ليس بالجديد عليّ، لكن الجديد عليّ هو أن يتم اتهامي بالسرقة، وبرائتي لن أثبتها أمامك أو أمام غيرك بل سأفعل أمام الملك وحينها ستأتي وتعتذر لي وتذكر هذا "
ابتسم تميم ساخرًا يرفع يده التي تحمل الخاتم، لتنتفض هي للخلف صارخة، وهو فقط أعاد خصلات شعره يقول بسخرية :
" لكِ هذا ."
نظر لها ثواني ثم مال بعض الشيء مع الاحتفاظ بمسافة مناسبة بينهما، فقط كي تصل كلماته لها دون غيرها :
" أخبريني يا قردة، أوليس أنتِ من كنتِ تبحثين عن روايات رومانسية داخل مكتبة العريف كل نهاية اسبوع وتخترعين حكايات رومانسية لكِ ولفارسك ؟!"
نظرت له برلنت بصدمة تحاول أن تتنفس بسبب خجلها منه، ليبتسم وهو يقول :
" إذن دوني ما يحدث معكِ في فصل المآسي الخاص بكِ، حتى يأتي فارسك ويخلصك من تميم الشرير، احداث مشوقة ومثيرة للاهتمام تضيفينها لقصصك بدلًا من تلك المشاهد السخيفة، هذا فقط لأجل متعة القارئ "
نظرت برلنت بأعينه تحاول أن تتجاوز كل ذلك وتجيبه بكلمات تصمته :
" ياا..وهل تظن أنك بتلك الأهمية كي تشغل صفحات من روايتي الخاصة، أو أذكر حتى اسمك ؟؟ ربما أشير إليك بأحدهم أو بمجهول "
ابتسم تميم لها بسمة واسعة يجيب على كلماتها :
" بل أعدك أن اسحب منكِ تلك الرواية السخيفة واقتلك في منتصفها واكملها أنا بقصة أكثر إثارة من خاصتك، صبرًا يا سليطة اللسان "
ابتسمت له برلنت بسمة لم تظهر من خلف غطاء الوجه، تقول بتحدي :
" إذن الفائز يضع النهاية يا ...سيدي صانع الأسلحة "
" اتفقنا يا ...آنستي الافعى السامة "
ختم حديثه ينظر للمشرفة نظرة جعلتها تأمر الفتيات بسحبها خارج الغرفة صوب السجون حتى تُعرض على الملك للمحاكمة في أمر سرقتها، وأثناء خروجها قابلت كهرمان وزمرد اللاتين ركضتا صوبها بقلق، أزاحت برلنت يد الفتاة عنها :
" ياا...اريد أن اودع صديقاتي "
وحينما ضمت زمرد همست لها :
" لقد وجدوا الخاتم في ثياب كهرمان، تلك الفتاة الحقيرة ربما هي من وضعته ظنًا منها أنها ثيابي، أعلم أنكِ لا تخشين أحدًا، اقتليها لاجلي واصنع لكِ كعك التوت الذي تحبينه "
ابتعدت تحت نظرات زمرد المتشنجة، ثم اقتربت من كهرمان تضمها وهي تهمس :
" أنتِ نظفي مكان الجريمة، حسنًا كهرمان، اعتمد عليكن يا فتيات "
ابتعدت ثم سارت مع النساء تمر بتميم الذي نظر لها نظرات غامضة وهي تمنت لو تنزع الغطاء وترميه بنظرة غاضبة حانقة، لكنها فقط سارت بهدوء وهي تهمس :
" ليحترق القصر بمن فيه، لعنة الله على الفاسدين"
________________________
ترك إيفان تبارك داخل حلبة التدريب في انتظار سالار بعدما ارسل له أحد الجنود، ولولا انشغاله، وطول ساعات التدريب مع سالار معها لكان جلس يشاهدها .
تنهد يمر بساحة القتال التي اعتاد مبارزة فارسته بها، ابتسم بسخرية دون وعي قبل أن تنمحي بسمته شيئًا فشيء يتذكر كلماتها ليعود عقله مجددًا يذكره أن هناك تاريخًا عليه البحث به لإيجاد ذلك الشخص الذي تسبب في ظلمه .
تحرك داخل الحلبة ينظر حوله وهناك رغبة تدعوه للمبارزة الآن، أن يراها تخرج كل غضبها في القتال معه، لكن كيف يستدعيها وما الذي يخبرها أنه سيبدأ مبارزة لتقفز له ؟!
نظر حوله وهو يفكر في طريقة لاحضارها، قبل أن يبتسم بسمة جانبية ويتحرك لمنتصف الساحة ينتزع سيفًا من حاملة السيوف، ثم نزع معطفه الملكي ووضعه على السيف في إشارة منه أنه هنا وسيقاتل .
ثم اتبعد يجلس في مكان يظهر الساحة منتظرًا أن تأتي وداخله صوتٌ يخبره أنها ستفعل .
" نعم ستفعل، لننتظر ونرى المنتقمة الغاضبة والثائرة وما ستفعله معي "
وهكذا جلس إيفان براحة شديدة على أحد المقاعد يتنهد بصوت مرتفع مشمرًا عن اكمامه وعيونه مثبتة على الساحة، لكن عقله يسبح بعيدًا، في أمور الممالك ومشاكله الخاصة، والملكة، والملثمة التي تأتيه كلما وطئت قدمه الساحة كل ذلك يثير داخله زوبعة من الاضطرابات .
طال جلوسه حتى شعر أن ساعات طويلة مرت، رغم تأكده أنه لم يمر سوى بضع دقائق، نهض عن مكانه يتقدم من ساحة القتال ينتزع المعطف الخاص به، والسيف يرفع في الهواء وهو يميل برأسه محدقًا به، وفجأة ارتسمت بسمة جانبية على فمه يلقي المعطف دون اهتمام أمامه يقول بصوت خافت :
" أتيتي ؟؟ ظننتك لن تفهمي اشارتي "
" العفو مولاي وكيف أفوت موعدًا معك ؟!"
ابتسم إيفان جانبية يستشعر سيفها الذي وجهته لظهره منذ وصولها، تنفس يقول بصوت مرتفع يشرد في السماء فوق :
" يقولون أن الحقد نيران تتغذى على صاحبها "
" وكذلك يقولون أن الظلم ظلمات يقضي على صاحبه "
ابتسم بسمة جانبية :
" هذا إن ظلمت، أوليس من الوارد أن يكون شقيقك هو من ظلمني بادعائه أنني ظلمته ؟؟"
اشتعلت عيون كهرمان بشدة تدفع السيف أكثر في ظهره وقد أشتدت قبضتها عليه، ليشعر إيفان بحد السيف يصيبه فابتسم بسمة صغيرة قبل أن يستدير فجأة ضاربًا سيفها بكل مهارة مسقطًا إياه ارضًا قبل بدء القتال حتى، ثم رفعه بقدمه بسرعة يلتقطه وبعدها وجه السيفين عليها يقول بصوت خافت :
" لاعترف أنكِ أكثر إمرأة شجاعة قابلتها "
شعر أن عيونها تبتسم وهي تنظر للسيفين دون أن تهتز هزة بسيطة حتى :
" هذا فخرٌ لي مولاي، أن تشهد وبنفسك على ذلك لهو فخر لي ولاخي، فهو من علمني أن الشجاعة هي سبيل النجاة"
اتسعت بسمة إيفان يقول بصوت خبيث :
" ولم يعلمك أنه جوار الشجاعة عليكِ التحلي بالذكاء ؟؟ فالشجاعة ليست سبيل النجاة الوحيد، فطوق النجاة وحده لن يفيدك إن لم تزوديه بالهواء، يظل قطعة مطاط لا فائدة ترجى منها، وهكذا هو الذكاء، إن لم تقترن شجاعتك به، فستكون سبب دمارك بدل نجاتك "
اطالت كهرمان النظر في عيونه وهي تدور معه بعدما بدأ بالدوران حولها والسيوف ما تزال أمامها، وفي ثواني ألقى لها بالسيف لتمسكه بسرعة وتتخذ وضعية الهجوم رافعة إياه في الهواء ليزداد الإعجاب في عيون إيفان وهو يتخذ وضعية الدفاع يقول بصوت خافت :
" اريني ما لديكِ يا امرأة"
ومن بعد كلماته لم يبصر إيفان سوى سيل هجمات ضارية عليه من سيف كهرمان التي ظلت تسقط فوق رأسه وتوجه له ضربات متتالية بسرعة كبيرة، تفاداها هو بسرعة أكبر والبسمة لم تفارق وجهه، بسمة مستفزة جعلت كهرمان تصرخ بصوت مرتفع وهي تزيد من حدة ضرباتها .
أطلق إيفان ضحكة مرتفعة :
" الغضب هو ذلك المسمار الذي سيثقب طوق نجاتك يا فتاة، عليكِ بالهدوء وعدم الاظهار للخصم أنه تمكن منكِ"
صرخت في وجهه وهي تبتعد تحاول التنفس :
" أنت لم تتمكن مني "
" صراخك هذا يعني أنني أصبت الهدف "
صرخت كهرمان أكثر وهي تهجم عليه بجنون :
" لا تعطني دروسًا يا هذا .."
ابتسم يصد ضرباتها بمهارة كبيرة مانحًا إياها فرصة اخراج كل الغضب الذي تكنه داخلها تجاهه :
" يا هذا ؟؟ لا تناديني بهذا يا هذه، أنا الملك هنا "
توقفت كهرمان تنظر له بقوة وغضب :
" ملك ؟؟ حقًا أرني ما لديك "
ابتسم لها إيفان بسمة مخيفة :
" أنت لن تحبي رؤية ما أملك بالفعل "
رفعت حاجبها ليحرك هو سيفه في الهواء بمهارة عالية، ثم تقدم منها خطوات بطيئة لعبت على اوتار ثباتها بمهارة عازف محترف :
" أنا حتى الآن ألعب دور المدافع معكِ، رأفة مني بحالتك يا امرأة، صدقيني لن تحبي رؤيتي اهاجم "
نظرت له ساخرة بقوة :
" أنا لا أحب رؤيتك على أية حال "
تأوه إيفان بسخرية :
" هذا جارح "
ابتسمت كهرمان بسخرية تنافس خاصته :
" لا بأس تقبل الحقيقة "
وفي ثواني قبل حتى أن تستوعب أو يعطيها هو إشارة وجدته يهجم عليها دون مقدمات وبسرعة كبيرة جعلتها تعود للخلف وهي ترفع سيفها تدافع عن نفسها قبل أن يقطعها اربًا وصوت إيفان صدح من بين اصوات اصطدام السيوف :
" إذن بما انها لحظة الحقيقة، فدعيني أخبرك أنكِ اسوء مبارزة سيوف رأتها عيناي يومًا "
كانت كهرمان تصد ضرباته بقوة وسرعة وهي تقول :
" وهذه السيئة لم تهزمها في مبارزة واحدة "
" نعم، لأنني أشفق عليكِ، لكن منذ الآن لا شفقة ولا رحمة"
ختم حديثه وقد حاصرها بسيفه في الجدار وهي تضع سيفها أمام خاصته تطيل النظر بعيونه تتنفس بصوت مرتفع، وفي تلك اللحظة فتح إيفان فمه ونطق باكثر شيء غريب قد يأتي على رأسه في مثل هذه اللحظة :
" عيناكِ تشبه عيون أعرفها جيدًا، هل اعرفك ؟!"
نظرت له وقالت بصوت ساخر هادئ بعض الشيء :
" ربما "
ومن بعد تلك الكلمة استغلت شروده في كلمتها ودفعته بقوة للخلف وهي ترفع سيفها في الهواء تقول :
" لا يهم إن كنت تعرفني أو لا، يكفي معرفتي أنا بك والتي ليست بالشيء الجيد صدقني "
ابتسم لها يرفع سيفه وقد عادت المنافسة بينهما مرة أخرى :
" صدقيني لستُ متلهفًا لمعرفتك "
بعد هذه الكلمات زادت حدة اصطدام السيوف بينهما وكأنهما في حرب لا ناجي فيها إلا واحد، إما يكون هو أو تكون هي، وهكذا كانت بالفعل، معركة بينهما، لا رابح فيها.....
ابتسمت كهرمان باتساع حينما أبصرت نظرات إيفان تشتد بعدما أصابت يده بجرح بسيط صغير، وهو تراجع للخلف يتوعد لها متناسيًا أنها امرأة .
" تريدنها حربًا ...فلتكن "
وها هو قتال يبدو أنه سيستمر لساعات وساعات دون معرفة من الرابح فيهما، فهي لا تستسلم وهو لا يمل .
___________________
وفي المقابل كان هناك مبارزة ثالثة لهذا اليوم ...
يقف في ساحة الرماية ينتظر أن تحضر هي، ابتسم يحرك السيوف في يده، وعليه الاعتراف أنه يستطيع إعطاءها السيف دون أن يضطر لكل ذلك، لكنه يحب أن يشعل غضبها .
والآن مرت ساعة عن موعدهما المحدد وهي لم تحضر، اعتدل في وقفته يتحرك لخارج الساحة حتى يتفقدها، لكن ما كاد يخطو حتى رآها تتحرك له وهي ترتدي ثياب تشبه ثياب القتال بلثامها المميز، ابتسم بسمة جانبية يرفع السيف في يده، ثم ألقاه في الهواء لتتلقفه هي بكل سهولة تحركه بشكل مثير للاعجاب، ومن بعدها رفعته فوق رأسها تتخذ وضعية القتال :
" هيا يا عزيزي أرني ما لديك "
ابتسم دانيار يرفع لثامه على ونصف وجهه يقول بعد غمزة صغيرة :
" هذا لأجل الغموض، والآن سيدتي ..بارزيني "
ومن بعد تلك الكلمة لم يُسمع في المكان سوى صوت اصطدام السيوف، ودانيار يقاتل واللثام يخفي خلفه بسمات ما استطاعت العيون إخفائها، لا يدري السبب حقًا لكن غضبها ذلك يسعده وبشدة .
حركت زمرد السيف بين قبضتها بسرعة كبيرة تلقيه من اليد اليمنى لليسرى بسرعة كبيرة وهي تتذكر صوت والدتها التي تهتف لها :
" السيف رفيق لكِ تعرفي عليه وانشأي معه علاقة طيبة، كي يساندك في جميع محنك "
رفعت زمرد سيفها في الهواء تقفز بقوة وفي نيتها أن تنقض عليه بضربة تقسمه نصفين، لكن دانيار ابتعد في اللحظة الأخيرة يصفر بصوت مرتفع :
" يا ويلي أنتِ جادة في أمر التخلص مني "
نظرت له زمرد بأعين مشتعلة وهو ابتسم لها :
" نعم تلك النظرات تعجبني وبشدة "
وبعد هذه الكلمات هجم عليها بشكل مرعب جعلها تعود للخلف بسرعة كبيرة ترفع سيفها للتصدي له، وهي تحاول أن تتمالك نفسها وألا تنحني .
" صدقني لن يعجبك القادم "
ابتسمت توجه له ضربة قوية في خصره، لكنه تفادها بسرعة كبيرة :
" أنتِ يا فتاة هل تدربتي على يد قطاع طرق ؟! ما هذه الحركات الغادرة ؟؟؟ عليكِ بمواجهة عدوك في وجهه، وتوقفي عن توجيه ضربات له بشكل متوارى، هذا ليس مقبولًا في القتالات النزيه "
ابتسمت زمرد :
" نعم، معك حق "
وكانت كلماتها تخص سؤاله الاول عن قطاع الطرق، لكن دانيار ظنها تؤكد عبارته الأخيرة .
وقبل أن ينجرف في التفكير أكثر حول هذه النقطة، هاجمته بضربة متوارية بشكل جعله ينفخ :
" أوه تريدين اللعب بدناءة إذن ؟؟ لكِ هذا "
ومن بعد تلك الكلمات لم تستوعب زمرد من أين تأتيها الضربات وقد كان دانيار في هذه اللحظة أشبه بجيش كامل يوجه لها الضربات، أمر لم تتوقعه وهي تعرف المبارزة كراحة اليد، لطالما تغلبت على جميع رجال قبيلتها، حسنًا هم حمقى لا يفقهون شيئًا في القتال لكنها ماهرة وهذا بفضل والدتها و...بافل .
وعند ذكر اسمه عادت لها ذكرى إجبارها في طفولتها على التدرب مع جميع الأطفال على يد بافل الشاب، وقتها لا تعلم ما حدث سوى أنهم وضعوا سيفًا داخل قبضتها والقوا بها في الحلبة أمام بافل الذي منحها بسمة مرعبة وكأنه يرحب بها في جحيمها..
فجأة شعرت بضربة قوية من سيف دانيار سقط على إثرها سيفها ارضًا، لتتسع عيونها وتنظر له بصدمة، ثم تحركت عيونها صوب دانيار الذي ابتسمت عيونه بسمة خبيثة، وهي لم تستسلم بل اخذت تقفز للخلف بحركات رشيقة ترفع يديها في الهواء في دعوة منها لقتال باليد .
تنهد دانيار يقول بجدية :
" أوه متعددة المواهب إذن ؟؟ مبهرة "
ألقى السيف ارضًا، ثم رفع طرف اكمامه يشير لها بالاقتراب :
" اريني ما لديكِ يا امرأة.."
اندمج الإثنان في قتال شرس أثمر عن سقوط زمرد في نهايته ارضًا لتزحف للخلف ارضًا وهي تحدق في وجه دانيار بقوة، بينما هو جلس القرفصاء يستند على ركبتيه قائلًا بهدوء :
" في النهاية، أنا انتصرت "
نظرت له زمرد بغضب شديد اشعل صدرها، حتى أنها لم تستوعب يدها التي انقبضت على حفنة من الرمال، ثم رمته بها في وجهه بقوة جعلت دانيار يتراجع للخلف صارخًا بجنون .
وهي نهضت بسرعة تود الركض وإمساك سيفها الملقي ارضًا، لكن دانيار كان يفرك عيونه بيد ويحاول امساكها بالاخرى، لكن يده لم تمسك سوى بلثامها ينتزعه بقوة صارخًا، وهي نظرت له برعب من نظراته الحمراء قبل أن تقرر الهرب في تلك اللحظة .
ومن بين عيونه الضبابية والغبار حوله أبصر وجهها مجددًا ملامحها التي فتنته سابقًا، لكنها فجأة تلاشت كما تلاشى الغبار أمامه، مسح عينه بقوة يهمس :
" تلك الفتاة، تتبع أساليب قذرة في القتال تمامًا كقطاع الطرق والمجرمين "
زفر يمسك سيفها العزيز يبتسم بسمة جانبية :
" لا بأس، الآن هربت وغدًا تعود لاجلك ..."
______________________
تتحرك في القصر بسرعة تود إيصال الطعام لمرجان قبل العودة لمحلها، تنفست بصوت مرتفع فاليوم والدها لديه العديد من رحلات التنقيب عن النباتات واستعجلها للعودة باكرًا، مما يعني لا فرصة للتأخر ومحاولة رؤية الطبيب .
تنهدت بصوت مرتفع وهي تسير صوب المكتبة حيث مرجان كالعادة، لكن وأثناء تحركها صوبها توقفت حين سمعت صوت غريب يصدر في جزء نائي من القصر حيث المكتبة، فالعريف هو من طلب بعزل المكتبة عن القصر ووضعها في مكان بعيد عن البشر.
ويبدو أن ذلك كان مناسبًا لأيًا كان حتى يخفي مصائبه في ذلك الجزء من القصر .
تحركت ليلا ببطء صوب ذلك الصوت الذي يبدو كغريق يحاول التنفس أسفل المياه، همست برعب :
" يالله ما بال هذا القصر كلما خطوت له سمعت صوت تأوهات وأوجاع ؟؟"
تنفست بصوت مرتفع تقترب منه لتختبئ خلف الجدار تنظر صوب تلك النقطة المظلمة، ترى فتاة تقف وهي تحاول خنق فتاة أخرى، اتسعت عيونها بصدمة، خاصة حين سمعت صوتًا يقول :
" هذا فقط تحذير لكِ، كي لا تمدين عينيكِ لأشياء الآخرين ."
أطلقت ليلا شهقة مرتفعة جعلت الفتاة تنتفض بفزع وهي تنظر حولها بريبة، كادت ليلا تتراجع بخوف من نظرات تلك المرأة التي كان يبدو على وجهها الشر، لكن رعبها على تلك المرأة الممدة ارضًا، وضعفها مقارنة بتلك المرأة المرعبة ويقينها أنها إن دخلت معها بقتال ستخسره وتخسره حياتها، جعلها تركض بسرعة شديدة تطلق صرخات كي يسمعها الجنود :
" هناك محاولة قتل في القصر، هناك فتاة تحاول قتل فتاة أخرى، النجدة"
لكن فجأة توقف جسدها حين شعرت بارتطامها في جسد ضخم جعلها تتراجع للخلف بسرعة شاهقة بصوت مرتفع ورعب، لكن سرعان ما خفت كل ذلك تقول بلهفة :
" سيدي ....سيدي القائد هناك ..هناك امرأة تحاول قتل أخرى بالقرب من المكتبة "
تعجب سالار كلماتها وهو يتحرك بسرعة كبيرة صوب المكتبة وخلفه ليلا التي كانت ترتجف بخوف تدعو الله ألا تكون تلك المرأة قد تخلصت من الأخرى، وبمجرد أن وصلوا كان الممر فارغًا من أي أحد، نظر سالار صوب ليلا التي اتسعت عيونها بعدم فهم ..
" كانت هنا، اقسم أنها كانت هنا و..."
توقفت عن الحديث حين أبصرت نظرات سالار لها، لتشهق بقوة :
" أيعقل أنها قتلتها وسحبتها بعيدًا ؟؟ لقد ..لقد كانت تحذرها وهي تخبرها كلمات غير مفهومة و..لا أعرف حقًا أنا..."
نظر لها سالار ثواني ولتوترها، كل هذا الخوف لا يمكن أن يكون لأجل لا شيء، رفع حاجبه وهو يفكر أنه منذ نصف ساعة انتهى من تدريب الملكة لتخبره أنها آتية للعريف و...
فجأة توقف عن التفكير حين خطرت له فكرة جعلت جسده ينتفض وهو يركض بسرعة مرعبة صوب مكتبة العريف يقتحمها دون سابق إنذار متجاهلًا نزق وضيق العريف وهو يصرخ بجنون :
" هل جاءت الملكة لهنا ؟؟"
نظر له العريف بحنق شديد لكنه لم يتذمر بسبب نظراته المرعبة تلك وقال :
" لا لم تأتي منذ طردتها ذلك اليوم من هنا، حسنًا هذه المرأة كارثة بكل المقاييس، النساء عامة، بل البشر سائرهم"
صمت يرى ملامح سالار المرعبة وهو يفكر في شيء خطر له، شعور جعل جسده ينتفض بقوة وهو يستدير بشكل مرعب وهو يردد بصوت خافت لليلا :
" تلك المرأة هناك...التي كانت تُقتل ..هل ..هل هي نفسها الملكة ؟؟؟"
_________________________
هي فقط تحتاج لنظرة ...ودع الباقي للقلب هو يتولى باقي الأمور، أوليس لهذا حُرمت تلك النظرات ؟؟
فهي وببساطة بداية كل إثم....
دمتم سالمين
يتبع...
لقراءة الفصل الخامس عشر اضغط على : ( رواية مملكة سفير الفصل الخامس عشر )
لقراءة باقي الفصول اضغط على : ( رواية مملكة سفير )